مصاعب تلوح في الأفق ومطلوب شفافية .. ومصارحة وخطط إنقاذ

مصاعب تلوح في الأفق ومطلوب شفافية .. ومصارحة وخطط إنقاذ

أكد مراقبون ومحللون اقتصاديون أن استمرار الحديث عن ضآلة تأثر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بالأزمة المالية العالمية أدى إلى عدم تضافر الجهود الحكومية الضخمة للدول الخليجية مع القطاع الخاص من أجل إنقاذ الاقتصادات الخليجية من حالة التراجع الكبير في جميع الأنشطة الاقتصادية ودون استثناء.
وأضافوا أن ذلك أدى بالتالي إلى أزمة صامتة تعانيها شركات القطاع الخاص في الأنشطة الاستثمارية، الصناعية، والخدمية، حيث بات عديد منها مهددا بالإفلاس وكثير منها بالخسارة ما لم تبادر الحكومات الخليجية إلى المكاشفة والاعتراف الواضح بالتأثيرات الحادة للأزمة المالية على بعض القطاعات بالذات، خاصة أن الوجه البارز للطفرة النفطية خلال الأعوام الماضية تمثل في الطفرة العمرانية والاستثمارية، وهي كلها باتت مهددة بفعل تراجع السيولة والطلب مع انخفاض الأسعار.
وأدى ذلك أيضا إلى اهتزاز الأسس التي قامت عليها أنشطة البنوك الاستثمارية التطويرية التي ترعرت في ظل الازدهار الاقتصادي، ما يلوح بصعوبات أمامها تستحضر معها نموذج انهيار البنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة.
وأدت سنوات الطفرة النفطية إلى تعاظم دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي لدول المجلس، ويتضح ذلك من تناقص حصة الإنفاق الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. ففي عام 2002، وهو تاريخ بداية الانتعاش النفطي، كان متوسط الإنفاق الحكومي يعادل 34.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أما في عام 2008 فيقدر صندوق النقد الدولي أنه يعادل 29.4 في المائة، وفي المقابل زاد القطاع الخاص من استثماراته مستفيدا من تدفّقات التسهيلات القوية وتطور الأسواق المالية المحلية لما قبل نشوب الأزمة المالية.
أما الآن ومع تصاعد حدة تأثيرات الأزمة العالمية، بدأت أنشطة القطاع الخاص بالتأثر على أكثر من صعيد سواء تراجع فرص الأعمال والمشاريع الحكومية المنفضة وتقلص فرص الصادرات علاوة على تراجع حجم التمويلات الحكومية.
لذلك، يرى مراقبون أن المطلوب من الحكومات الخليجية، وعلى شاكلة كثير من الدول الصناعية، تقديم خطة تحفيز اقتصادي تهدف إلى مساعدة القطاع الخاص على مواجهة التحديات الراهنة بحيث تركز هذه الخطة على توفير ضمانات جزئية للبنك مقابل توفير التسهيلات للقطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن ذلك يدخل في إطار إجراءات السياسة النقدية، فإن الحكومة يمكنها أيضا أن تدعم الشركات التي تواجه مشكلات صعبة بسبب نقص فرص الحصول على التمويل اللازم بسبب طبيعة الأوضاع السائدة في القطاع المالي، بشرط التأكد من احتمال استمرار تلك الشركات على المدى الطويل من خلال جهود إعادة هيكلتها لضمان استمرارها، ومن خلال تقديم الضمانات الحكومية للائتمان الممنوح لتلك الشركات، مما يساعد على جهود إعادة الهيكلة.
وعلى حكومات دول الخليج ألا تخفض برامج الإنفاق الحالية بسبب الانخفاض المتوقع في الإيرادات النفطية، بل على العكس من ذلك لا بد من اتباع سياسات معاكسة للدورة الاقتصادية من خلال زيادة الإنفاق في وقت ميل النشاط الاقتصادي نحو الانحسار، أي أن الإبقاء على مستوى الإنفاق مرتفعا يعد أمرا أساسيا في هذه المرحلة. كذلك عليها العمل على استمرار جميع مشاريع الاستثمار والصيانة، وعدم تأخير تلك المشاريع بسبب انخفاض الإيرادات، ويمكن في أسوأ الحالات التركيز على المشاريع الاستثمارية الحيوية ذات الروابط الخارجية القوية في الاقتصاد الوطني، التي يمكن أن تساعد بشكل مباشر على تنشيط مستويات الطلب الكلي، وبشكل غير مباشر من خلال تعديل التوقعات التشاؤمية.
ويرى بعض الاقتصاديين أن الإنفاق على البنية التحتية مثل توسيع الإنفاق على الصحة وإنشاء مزيد من المدارس والطرق ومشاريع البنية الأساسية يمكن أن يكون محفزا جيدا للاقتصاد، حيث يؤدي هذا الإنفاق إلى رفع مستويات السيولة وزيادة مستويات الدخول ومن ثم رفع مستويات الطلب الكلي ومستويات التوظيف.
وعلى حكومات دول الخليج أن تقدم الدعم لمشاريع القطاع الخاص التي تعمل في القطاعات الحيوية في الاقتصاد، لتفادي حالات الإفلاس، كما يجب عليها ألا تهمل خطط مراقبة برامج الإنفاق لقطاع الأعمال الخاص إذا ما تعثرت تلك البرامج، فمن الممكن أن تقوم الحكومات بالتوقيع على عقود مشاركة للمشاريع الجوهرية التي ينفذها القطاع الخاص التي تعثرت نتيجة نقص رؤوس الأموال الخاصة بسبب الأزمة لتتحول تلك المشاريع من مشاريع خاصة إلى مشاريع مشتركة.
وغني عن البيان أن ذلك الأمر يجب أن يتم على أساس انتقائي، حيث تعطى الأولوية للمشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية في القطاع غير النفطي، ذلك أن أساليب التعامل الحكومي مع الشركات الخاصة أثناء الأزمة يجب أن يختلف بعض الشيء، حيث ينبغي في هذه المرحلة التأكد من عدم قيام الشركات بخفض ميزانيات الاستثمار لديها بسبب نقص التمويل، وذلك من خلال إتاحة فرص التمويل بتكاليف منخفضة.
يذكر أن القطاع الخاص رفع عبر اتحاد الغرف الخليجية مذكرة إلى أصحاب الجلالة والسمو قادة المجلس في قمة مسقط خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي على أمل أن تشهد المرحلة المقبلة اتخاذ قرارات من شأنها أن تفعل مشاركته في برامج التنمية الاقتصادية وفي صياغة هذه البرامج وتنفيذها، خاصة بعد الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة بداية العام، كونه المعني بالدرجة الأساس بتحرير عناصر الإنتاج والخدمات والاستثمارات عبر دول المجلس.
ويؤكد المحللون والمراقبون أن حكومات دول المجلس باتت وفي ظل الأزمة الراهنة أكثر حاجة لسياسيات محفزة للنمو الاقتصادي، وإعادة التوازن للاقتصاد من خلال توفير السيولة لمشاريع القطاع الخاص، وتوجيه الإنفاق بصورة أكبر نحو المشاريع المولدة للوظائف وتنويع مصادر الدخل، مع مواصلة إصلاحات سوق العمل والجهاز الحكومي والخصخصة والحوكمة ومكافحة الفساد.
وتشير جميع البيانات المتوافرة أن معظم دول المجلس سعت للمحافظة على ميزانيات توسعية لعام 2009 بغض النظر عن الأوضاع الاقتصادية السائدة وتحقيق العجز المالي.
ففي المملكة، صدرت الميزانية العامة لعام 2009 بزيادة قدرها 17 في المائة عن عام 2008 وبلغ حجم الإنفاق المتوقع 475 مليار ريال والإيرادات المتوقعة 410 مليارات دولار بينما سيبلغ العجز 65 مليار ريال وستتم تغطيته من خلال فوائض الأعوام السابقة.
وتشير أغلب التوقعات إلى تبني المملكة، وكذا بقية دول المجلس سعر للنفط يراوح ما بين 40 إلى 45 دولارا للبرميل كأساس لتقدير العائدات النفطية، وهو ما يعطي نموذجا للميزانية التوسعية الهادفة إلى تحفيز الاقتصاد الوطني، حيث أشاد صندوق النقد الدولي بهذه السياسة، وقال الصندوق في تقرير صدر أخيرا إن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والصين وإسبانيا وأستراليا فقط هم الذين يسيرون على الطريق الصحيح لتقديم خطط حفز مالي يساوي 2 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي لهذا العام.
وفي الإمارات، راوحت الميزانية العامة للدولة لعام 2009 ما بين 45 مليار درهم و47 مليار درهم بزيادة نسبتها 30 في المائة إلى 35 في المائة على ميزانية عام 2008 بحسب ما أفادت جريدة ''الاتحاد'' الإماراتية.
ويستهدف مشروع الميزانية تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وإعطاء الأولوية لمشروعات التربية والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، كما ستحافظ الميزانية على مبدأ التوازن بين النفقات والإيرادات للعام الخامس على التوالي. ويتضمن مشروع الميزانية عدداً من المشروعات الاستثمارية التي تخدم مختلف قطاعات المجتمع.
وقالت وزارة المالية الكويتية إن ميزانية الكويت للسنة المالية 2008/ 2009 تتوقع عجزا قدره 5.12 مليار دينار، وقالت الوزارة إن مشروع الميزانية يحدد حجم النفقات عند 17.9 مليار دينار.
وتبدأ السنة المالية في الكويت في الأول من نيسان (أبريل)، ويتوقع المشروع أن يبلغ إجمالي العجز الذي يشمل تخصيص 10 في المائة من إيرادات الدولة لصندوق للأجيال القادمة يديره الذراع الاستثماري للحكومة 6.39 مليار دينار. وقدرت الإيرادات النفطية عند 11.65 مليار دينار.

الأكثر قراءة