الوهم الأحمر.. انعكاسات اقتصادية!
يموج المجتمع السعودي خلال هذه الأيام في خضم شائعات من نوع جديد من التجارة أشبه ما تكون بقصص الخرافة الساذجة، وذلك نظير شراء وبيع أنواع من مكائن الخياطة القديمة التي يزعم أن في جزء من مكوناتها (الإبرة) ربما مادة الزئبق الأحمر. وإلى الآن لا أعرف لماذا هذا الاهتمام أصلاً بهذه المادة واستخدامها الذي غالى في سعرها حتى لو صارت حقيقة، فمن قائل للسحرة والمشعوذين إلى من أوصلها للدخول في مكونات صناعة قنابل هيدروجينية! وأحمد الله أن مدينة الملك عبد العزيز دحضت هذه الأقاويل (جريدة "الوطن" 20 ربيع الآخر 1430هـ) وإلا انتهينا ربما بمصانع قنابل هيدروجينية دفعة واحدة متملكين بذلك القوة العسكرية عالمياً وبذلك نكون قد قفزنا إلى أعلى مراتب التقنية متعدين بذلك تقنية الأسلحة التقليدية والنووية وممسكين بزمام صناعة قنابل هيدروجينية على أيدي البسطاء!
إن من شدة سخافة الموضوع والاهتمام به وتصديق كثير من الناس له لهو دليل واضح على عدد من الأمور الاقتصادية المتجذرة في المجتمع من أهمها تدني الثقافة الاقتصادية، إذ يحسب كثير من الناس أن التجارة وتحقيق المكاسب والأرباح الكبيرة هي ضرب من القمار الذي يمكن أن يتحقق في وقت قياسي، وأن حقيقة "حدّث العاقل بما لا يطيق فإن صدق فلا عقل له" هي جزء محوري في التجارة. ولذا فالغش وترويج الشائعات والحديث بلا مستند ثابت أو عدم تحكيم العوامل المنطقية والأساسية ما هي إلا معول هدم للأسواق والاقتصاد وبالتالي نضجه. ولعل في الانتكاسات والقفزات غير المحسوبة في سوق الأسهم مثلاً وغيرها من الأحداث التي حققت هوامش غير منطقية في بداياتها مثل مساهمات سوا وغيرها ما هي في جملتها إلا ألاعيب وغش وتحايل انتهت بضياع مدخرات الناس وخسائر غير مسبوقة لهو خير دليل على تدني هذا الحس الثقافي الاقتصادي والاستثماري.
إنه مثلما ننادي بالشفافية في قضايا سوق الأسهم بالإفصاح عن خصائص المحافظ الاستثمارية (وليس تسمية ملاكها) لكي يعرف المتداولون عن حقيقة تلك المحافظ وبالتالي عدم التغريد مع الأسراب دون علم، بل لمجرد المحاكاة، فإننا أيضا ينبغي أن نعرف عن خصائص أولئك الذين ينجرون خلف أي شائعة اقتصادية مثل شائعة الزئبق الأحمر والطامحين إلى تصنيع القنابل الهيدروجينية، وذلك في سياق علمي إحصائي يهدف في نتائجه إلى تقليل هذا الهدر الاقتصادي الناتج من زوابع الشائعات الساذجة. فالوعي الثقافي الاقتصادي بلا شك عنصر أساس في تنمية الاقتصاد على أسس سليمة لكيلا ننتهي بسوق لا يحكمه إلا الشائعات في ظل بيئة استثمارية يبقى المتعاملون فيها يصدقون ما لا يصدق.
وأبوس راسك يا زمن!!