رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اقتصاديات التصدير

تصدير البضائع والمنتوجات المحلية إلى الخارج ليس كله نعمة. فإذا استثنينا تصدير النفط ومشتقاته والمواد البتروكيماوية، فهل كل ما نصدِّر إلى خارج المملكة من المواد والسلع يعود على اقتصاد البلاد بالفائدة، أم أن بعضاً من صادراتنا يمثل استنزافا غير مباشر لمواردنا الأساسية؟ فنحن نخشى أن يكون هناك كثير من المواد المصنَّعة أو المُجمَّعة داخل المملكة التي يتم تصَدير الفائض منها إلى الخارج تكون تكلفتها الكلية والحقيقية على الاقتصاد الوطني أكثر من القيمة التي نجنيها من بيعها، بصرف النظر عن الربح الظاهري الذي تجنيه الجهة المُصدِّرة، سواء كانت المؤسسة مملوكة لفرد واحد أو تحت مسمى شركة مساهمة أو غير مساهمة.
فهناك كثير من العوامل و الحسابات التي يجب أن نأخذها في الحسبان عندما نقيِّمُ المردود الاقتصادي على المواد المراد تصديرها إلى خارج المملكة للتأكُّد من أنها فعلاً مُربحة. ولا يكفي أن يكون هناك ربح على رأسمال المُصِّدر الذي يستفيد من التسهيلات المالية ومن التخفيضات على الكهرباء، وعلى الوقود الذي يُباع داخلياًّ بجزء يسير من قيمته الحقيقية في الأسواق العالمية، وبعض المواد الغذائية التي تدفع لها الدولة إعانات كبيرة، ومن مجانية الماء، إلى جانب السماح له باستقدام عمالة أجنبية رخيصة بدلاً من توظيف وتدريب أبناء الوطن. كل هذه العوامل يجب أن تكون ضمن معادلة الربح والخسارة قبل أن يُسمح لأي جهة بتصدير المنتجات المحلية. ويجب ألا يغيب عن البال أن الإعانات والتسهيلات الاقتصادية التي تقدمها الدولة هي من أجل رفاهية المواطنين، وليس من حق أحد أن يستغلها ليربح من ورائها.
فعلى سبيل المثال، هناك مواد كثيرة يتم تصدير الفائض منها إلى خارج المملكة، كمنتوجات الألبان التي تستهلك صناعة اللتر الواحد منها كميات هائلة من الماء الذي لا تدفع له شركات الألبان أي ثمن. وكذلك تصدير بعض المنتوجات الزراعية، على الرغم من شح مصادر المياه عندنا وضرورة عدم التفريط بها، حتى لا نترك أجيالنا القادمة عُرضة للجوع والعطش في وسط صحراء قاحلة. فحسب المصادر الرسمية، يستهلك تجهيز اللتر الواحد من الحليب 500 لتر من الماء وكيلو البطيخ أكثر من 700 لتر، ولا يُستوفي لهذه الكميات من المياه قيمة من أصحاب المؤسسات المعنية. أضف إلى ذلك، أن معظم المُستخدَمين في مرافق صناعة الألبان والمرافق الزراعية في المملكة هم من جنسيات غير سعودية، فيستفيدون خلال وجودهم بيننا "لمصلحة صاحب المنشأة" من استهلاك المواد المُعانة والمُخفَّضة. وفي الغالب أن أفراد العمالة الأجنبية ينقلون نسبة كبيرة من دخلهم إلى بلدانهم الأصلية على شكل عملات صعبة، وهو ما يُعد نوعا من الاستنزاف لثروتنا النقدية. وذلك بالطبع عكس ما لو أن اليد العاملة كلها تكون وطنية وتنفق جُلَّ دخلها داخل المملكة، مما يُحفِّز وينشِّط الحركة التجارية المحلية.
فإذا كان هذا الواقع حاصل، فنأمل من الجهات المختصة في الدولة، كوزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية والوزارات الأخرى المعنية، أن يحددوا الحالات التي يُسمح بها لتصدير منتجاتنا المحلية، وألا يشجعوا أي استثمار تعتمد صناعة منتجاته على المصادر المائية واستهلاك كميات كبيرة من الوقود. وإذا كان لا بُدَّ من ذلك، فعلى أقل تقدير لا يسمح للمستثمرين بالتوسع في مشاريعهم إلى الدرجة التي تؤدي إلى حدوث فائض من الإنتاج عن الاستهلاك المحلي.
ومن المؤكد أن هناك منتجات غذائية وصناعية غير الألبان والمنتوجات الزراعية تُصدُّر منها كميات إلى خارج المملكة، وربما أن مردودها على الاقتصاد الوطني لا يُعادل مجموع التكلفة الكلية إذا حسبنا لكل عنصر من عناصر صناعتها قيمة مُعينة، فيكون عدم تصديرها أفضل لنا، حتى ولو أنَّ الجهة المُصدِّرة تتمتع بمردود مُغر على رأس المال المُستثمَر. وحتماً ليس فخراً لنا تصدير منتجاتنا لمجرد أن لدينا ما نصدره، إذا كانت المحصلة النهائية بالنسبة لاقتصادنا الوطني خسارة مادية واضحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي