الاقتصاد العربي وأزمة العالم المالية

تعد منظومة جامعة الدول العربية الاقتصادية إحدى المنظومات الاقتصادية المتأثرة بانعكاسات الأزمة المالية الحالية كونها تضم تحت مظلتها مجموعة من الاقتصادات العربية المتباينة متانتها من الشديدة إلى المتواضعة.
وعلى الرغم من طموح جامعة الدول العربية في الارتقاء بالاقتصاد العربي من خلال جهودها في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري، إلا أن مقومات الاقتصاد العربي الحالية تجعل من الاقتصاد العربي مجتمعا منظومة اقتصادية ذات حصانة اقتصادية متواضعة أمام انعاكسات الأزمة المالية العالمية الحالية. الدافع خلف وجهة النظر هذه إنجازات الدول العربية الاقتصادية من نشأتها في الخمسينيات الميلادية إلى اليوم.
يعود تاريخ الاتفاقيات الاقتصادية العربية إلى 1950 عندما وقعت الدول العربية اتفاقية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي. عملت هذه الاتفاقية كخط دفاع أول عن مصالح الدول العربية الموقعة على الاتفاقية ضد قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
تضمنت الاتفاقية جزءا اقتصادياً، عطفا على أهميته في تعزيز الجانب الدفاعي، تم بموجبه إنشاء المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية. أسند إلى هذا المجلس مهام التنسيق للنهوض بالاقتصادات العربية وتطوير التعاون الاقتصادي فيما بينها.
حظيت الخمسينيات الميلادية من الألفية الماضية بتوقيع اتفاقيتين تحت مظلة الاقتصادات العربية. عنيت الاتفاقية الأولى بتسهيل التبادل التجاري وتنظيم الترانزيت, وعنيت الاتفاقية الثانية بإقامة وحدة اقتصادية كاملة بين الاقتصادات العربية.
مرت الاتفاقيات الاقتصادية العربية في الستينيات الميلادية من الألفية الماضية بحالة من التواضع الكمي والتطور النوعي عندما وقعت في 1964 اتفاقية السوق العربية المشتركة، كاتفاقية وحيدة في ذلك العقد.
شهدت الاتفاقيات الاقتصادية العربية تطورات في الجانب الاستثماري خلال السبعينيات الميلادية من الألفية الماضية عندما وقعت ثلاث اتفاقيات استثمارية. الاتفاقية الأولى اتفاقية استثمار الرساميل العربية وانتقالها بين البلدان العربية في 1970, والاتفاقية الثانية اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى في 1974, والاتفاقية الثالثة مذكرة تفاهم صادرة عن المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية، التي تضمنت اتفاقا مبدئيا لإنشاء السوق المالية العربية.
استهلت الاقتصادات العربية عقد الثمانينيات الميلادية من الألفية الماضية بتوقيع ميثاق العمل الاقتصادي القومي، واستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك. أسهم هذا الميثاق في إعادة رسم منهجية مشروع الوحدة الاقتصادية العربية من خلال التوقف عند ثلاث محطات.
المحطة الأولى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في 1983, والمحطة الثانية استراتيجية تطوير الأسواق المالية العربية وتكاملها في 1987, والمحطة الثالثة تأسيس برنامج الصادرات العربية من قبل صندوق النقد العربي في 1989.
شهدت الاتفاقيات الاقتصادية العربية تطورات في الجانب التجاري خلال التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية عندما أعلن تأسيس مجموعة من المناطق التجارية الحرة. فأعلن المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية في 1997 إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بحلول عام 2008.
لحق هذا الإعلان إعلانان تضمنا إقامة منطقتين للتجارة الحرة في كل من منطقة الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط. الإعلان أول في 1999 تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي والإعلان الآخر في 2001 بين مصر، الأردن، تونس، والمغرب.
هناك ثلاث ملاحظات مهمة نستخلصها من قراءة تاريخ الاتفاقيات الاقتصادية العربية، ومقارنتها بالإنجازات الحالية. الملاحظة الأولى تركيز معظم هذه الاتفاقيات الاقتصادية على الجانب التجاري لدعم مشروع الوحدة الاقتصادية العربية بتوجيه قرابة 50 في المائة من هذه الاتفاقيات لدعم التبادل التجاري بين الدول العربية. وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب، إلا أن إنجازات تنظيم التبادل التجاري لم ترتق إلى مستوى التطلعات، عطفا على ظهور تكتلات تجارية جزئية بديلة في منطقتي الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.
والملاحظة الثانية تركيز الاتفاقيات الاقتصادية العربية في المرتبة الثانية على الجانب الاستثماري بتوجيه قرابة 35 في المائة من هذه الاتفاقيات لدعم الاستثمار البيني بين الدول العربية, وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب أيضاً، إلا أنه ما زال يعاني الشفافية، ناهيك عن العقبات النقدية.
و الملاحظة الثالثة، والأهم، التي نستخلصها أن الجانب الاستراتيجي لمشروع الوحدة الاقتصادية العربية لم يحظ بالكم والنوع اللذين يؤهلانه للسير بهذه الاتفاقيات نحو هدفها الرئيس، والمتمثل في الوحدة الاقتصادية العربية, حيث وجهت قرابة 15 في المائة من هذه الاتفاقيات نحو دعم الجانب الاستراتيجي في تفسير واضح لتواضع إنجازات الاقتصادات العربية نحو وحدتها الاقتصادية.
تقودنا هذه القراءة التاريخية عن مسيرة الاقتصاد العربي إلى خلاصة مفادها أن أنشطة التبادل التجاري، والاستثمار المباشر، والدعم الاستراتيجي، وعلى الرغم من أهميتها الاقتصادية في دفع عجلة النمو، إلا أنها ركزت على الجانب البيني بين الدول الأعضاء عوضا عن الجوانب الأخرى، ما يجعل بعض الدول العربية المستقبلة لهذه الأنشطة في موضع منافسة مع الاقتصادات غير العربية، عطفا على زيادة جاذبية الاقتصادات غير العربية للأنشطة الاقتصادية بعد خلفيات الأزمة المالية العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي