رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جدة بلا عشوائيات .. حلم كيف لنا أن نُعجله؟

جرح بسيط في القدم قد يتحول إلى غرغرينا قاتلة إذا لم يتم التعامل معه على أنه مشكلة صحية بسيطة تحتاج إلى حل وإلا تفاقمت، والغرغرينا إذا لم تبتر في الوقت المناسب تفاقمت حتى تقتل المصاب بها بمرور الزمن، وهكذا حال البؤر غير النظامية أيا كان نوعها (سكنية، عمل، إقامة... إلخ) تبدأ بمشكلة بسيطة ثم ما تلبث أن تتفاقم إذا تم التهاون بها، وعدم التعامل معها مبكرا بحلول إنسانية منطقية قابلة للتطبيق تسهم في تحقيق الأهداف التنموية للبلاد، كما تحافظ على سمعتها وصورتها المميزة في مجتمع متواصل عبر أدوات اتصالية متعددة لا يمكن السيطرة عليها بحال من الأحوال.
العشوائيات نشأت في المنطقة الغربية وتكاثرت حتى تجاوز عددها الخمسون عشوائية في جدة وحدها لأسباب تاريخية وجغرافية حيث التطور العمراني العشوائي ما قبل التخطيط، وحيث يقع الحرمان الشريفان اللذان يقصدهما الحجاج والعمار والزوار من جميع البلدان المسلمة وما يترتب على ذلك من تخلف لبعض منهم لأسباب متعددة نعرفها جميعا.
بؤرتان غير نظاميتين، الأولى البناء والسكن غير النظامي، والأخرى مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل تكاملتا في العشوائيات التي شكلت صدا منيعا أمام تنمية المنطقة وإنسانها، حيث لا تخضع هذه العشوائيات لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني، وهو ما جعلها تعاني من شوارع ترابية ضيقة، كما تعاني ضعف الخدمات من كهرباء وهاتف وشبكة مياه وصرف صحي، وندرة المناطق المفتوحة بما لا يتفق مع أبسط معايير التصميم الحضري، وهو ما أدى بالتبعية إلى إعاقة حركة المركبات بما ذلك حركة المركبات الأمنية والخدمية مثل مركبات الشرطة والمرور والدفاع المدني ومركبات النظافة ما أدى إلى تدني مستويات الأمن والنظافة وصحة البيئة فيها فضلا عن تدني مستوى الخدمات الأساسية.
هذا الوضع المزري أدى إلى هجرة السكان من الطبقة العليا والمتوسطة من مواطنين ومقيمين نظاميين إلى مناطق أخرى مخططة لتسود في العشوائيات الطبقة الفقيرة متدنية التعليم، وهو ما أوصل إلى خلل في التركيبة السكانية حيث الكثافة السكانية العالية المقرونة مع تدني مستوى التعليم وارتفاع معدلات البطالة والجريمة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي ما جعلها بالمحصلة مناطق جاذبة للمخالفين لنظام الإقامة والعمل لتشكل عبئاً على المجتمع، ومرتعاً للجريمة والفساد، ومصدر قلق أمني كبير لساكنيها والمناطق المجاورة، بل والمملكة عموما، حيث وجدت العمالة الهاربة من جميع مناطق المملكة فيها مأوى آمنا، ومرتعا خصبا وبيئة حاضنة لممارسة أنشطتها غير القانونية واللاأخلاقية، فارتفعت فيها معدلات الجريمة بجميع أنواعها بما في ذلك ترويج وتعاطي المخدرات وامتهان إنسانية البشر خصوصا الأطفال الذين يستخدمون كأداة للتسول والنساء اللواتي يستخدمن في تجارة البغاء والعياذ بالله.
وهو ما جعل مشكلة العشوائيات قضية وطنية اتفقت الإرادتين السياسية والشعبية على معالجتها بأسرع وقت ممكن منعا لتفاقمها وتفاقم مخاطرها من ناحية، ولإيجاد الأرضية الخصبة لتنمية الإنسان في منطقة مكة عموما ومدينة جدة على وجه الخصوص، حيث أصبح من المعلوم أنه لا تنمية لمدينة جدة دون معالجة المناطق العشوائية وإفرازاتها الخطيرة، ولقد فرحنا جميعا بمباشرة معالجة العشوائيات من خلال لجنة وزارية بعضوية وزير الشؤون البلدية والقروية ووزير الداخلية وأمير منطقة مكة المكرمة ووزير العمل ووزير المالية لمعالجة تنامي المناطق العشوائية في المدن الرئيسة في منطقة مكة المكرمة، والتي أمرت بتشكيل لجنة تحضيرية برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة التي شكلت بدورها لجانا أمنية واجتماعية وفنية لدراسة الأوضاع واقتراح الحلول والإشراف على تنفيذها.
فرحتنا بانطلاق عمليات معالجة العشوائيات ستكتمل بالنسبة لنا كمواطنين عندما نرى جميع اللجان المذكورة تتواصل معنا إعلاميا وتطرح خططها وإنجازاتها وتطلعاتها وسياساتها التكاملية مع شركات القطاع الخاص المنفذة لمشاريع تطوير العشوائيات والتي أعلنت أولها وهي شركة خزام العقارية عن خطتها وبرامجها الزمنية ومتطلبات نجاح خطتها، وكلنا ثقة بأن هذه اللجان تعمل على قدم وساق خاصة أن سمو أمير منطقة مكة عبر عن ذلك بمتابعته لتطورات المشروع وزيارته لموقع الإزالة في المرحلة الأولى من مشروع تطوير عشوائية قصر خزام، ولكننا بكل تأكيد سنكون أكثر ثقة عندما نرى خطط جميع الأجهزة الحكومية واللجان ذات الصلة مثل الهيئة العامة للإسكان وصندوق التنمية العقاري اللذين سيلعبان دورا كبيرا في إيجاد السكن البديل الملائم لسكان العشوائيات من المواطنين من ذوي الدخول المحدودة.
أيضا أجهزة وزارة الداخلية المعنية بالإقامة والجنسية والبحث وغيرها نتوقع أن تلعب دورا كبيرا في معالجة أوضاع قدامى المتخلفين والحديثين منهم، والملتزمين بالنظام من المخالفين له، وزارة الشؤون الاجتماعية هي الأخرى نتوقع منها أن تبذل مزيدا من الجهود في معالجة أوضاع المواطنين القاطنين في هذه العشوائيات، خصوصا أن معظمهم من المدرجين في كشوف إعانات الوزارة، وزارة العمل كذلك نتوقع منها أن تضع خططا لتأهيل سكان المناطق العشوائية لكي ينخرطوا في أسواق العمل ليصبحوا سواعد بناء لا معاول هدم كما هو حال معظمهم حاليا، وزارة المالية أيضا نتوقع منها أن تلعب دورا كبيرا في حث مؤسساتها والمؤسسات المالية الخاصة لتمويل الشركات المطورة على اعتبار أن نجاح هذه المشاريع سيوفر على موارد الدولة مبالغ طائلة إن لم يرفدها بالإيرادات من خلال الصيغة الرائعة التي طرحتها أمانة منطقة جدة لمعالجة العشوائيات بالتعاون والتكامل مع القطاع الخاص، حيث حولت مشكلة العشوائيات إلى فرصة استثمارية مجزية.
وكلنا أمل ورجاء بجميع الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة بمعالجة العشوائيات أنها لن تألوا جهدا من أجل التعجيل بالحلم لنرى جدة بلا عشوائيات، ولنرى سكانها في أحسن حال ـ بإذن الله ـ خاصة أن خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ وجه بمرسوم إلى الجهات الحكومية لتوفير الخدمات التي يتطلبها تطوير المناطق العشوائية مع إعطائها الأولوية، وهو مرسوم إضافة إلى تأكيده على ضرورة معالجة العشوائيات بأسرع وقت ممكن، فإنه كذلك يقدم الدعم المعنوي والغطاء القانوني لبذل مزيد من الجهد والمال والوقت لاختصار وقت معالجة العشوائيات لتنعم جدة وأهلها وزوارها برغد الحياة وكريم العيش.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي