فعلا.. لماذا يمنع الشباب؟
أبدى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة انزعاجه وتضايقه من منع الشباب من دخول الأسواق والحدائق العامة في حديث له في محافظة الخرمة، معتبره ظاهرة لا تسر، وتساءل سموه قائلا: أين يذهبون إذا كان كل شيء ممنوعا أمامهم، وطالب بدراسة هذه الظاهرة وإيجاد حل جذري لها، ونحن مع سموه في كل ما قال، فهذا المنع فعلا لا يسر، لأنه كما قال: لا بد من الاهتمام بالشباب وإعطائهم حقوقهم في الترفيه والتسوق وكل شيء يحتاجون إليه.
وتجاوبا مع مطلب سموه بدراسة ومناقشة ما سماه بظاهرة منع الشباب وإيجاد حلول جذرية لها، أطرح سؤالا أوليا وهو ما سبب منع الشباب من دخول الأسواق والحدائق العامة والمتنزهات..؟ أجزم بأنه ليس موقفا معاديا أو إقصائيا لمن يمثلون لنا الغد وفلذات الكبد، فالمجتمع لا يكرههم حتى يمنعهم، بل نحبهم ونودهم فهم امتدادنا، ولكن هذا المنع جاء بسبب تصرفات وسلوكيات أقل ما يمكن وصفها بأنها تسبب إزعاجا للآخرين، خصوصا العائلات، وهنا لا نعمم، فغالبية شبابنا، ولله الحمد، يحكمهم الحياء الذي هو شعبة من الإيمان، ولكن القلة هي ما عنيناها التي فقدت فعلا الحياء بما تمارسه من تصرفات وسلوكيات رعناء خارجة عن أي قيم وأخلاق عامة قبل أن تكون خاصة، وهذه القلة تفسد على البقية، فالخير يخص والشر يعم.
نعم نحن نتفق تماما مع سموه الكريم بوجوب إعطاء الشباب حقوقهم في الترفيه والتسوق وكل شيء يحتاجون إليه، ولكن أعتقد أن هذه الحقوق مقيدة بضوابط أقلها عدم التعدي على الحق الخاص والعام، فمثلا ليس من هذه الحقوق التي يجب أن تعطى للشباب حق ما يسمى بـ (المواكب) حين تحيط سياراتهم بسيارة نساء وتصاحبها طويلا في منظر (شهواني) مقزز، وكل منهم يتسابق للالتصاق بها ومحاولة محادثة من فيها، وليس منها حق مطاردة فتيات في الأسواق بفجاجة وبلا حياء من الناس في مسعى لـ (ترقيمهن) ولو بالقوة، ولا حق إثارة صخب وإزعاج للفت أنظار الفتيات لهم وهم يتنافسون على أيهم أكثر (دنجوانية) وجراءة من خلال حركات وتصرفات لا ترى حتى في المجتمعات المنفتحة، وهذا غيض من فيض، ومن يريد الاستزادة عليه الذهاب إلى أي من الأسواق المفتوحة ليرى ما يندى له فعلا الجبين من شباب نظنهم ينتمون لمجتمعنا وثقافته وقيمه، ولمثل هذه الأسباب ورغبة من أصحاب الأسواق والمتنزهات في تأمين أجواء هادئة لا إزعاج فيها ولا جرح لمرتاديها وجلهم عائلات، وفي غياب من قوة ضبط عامة، وجدوا أن أفضل وأسلم وسيلة هي قصر الشر ومنع الشباب من الدخول، و(الطاقة التي يأتي منها الريح سدها واستريح).
السؤال الآخر، هل هذا هو الحل الأمثل والمناسب..؟ بالقطع لا، الحل الطبيعي هو فتح جميع المواقع أمام الشباب ليمارسوا حقوقهم في الترفيه والتسوق، ولكن على ألا تكون مطلقة غير منضبطة بضوابط سلوكية، وهذا موجود في العالم كله من خلال شرطة آداب تتدخل ضد كل من يخرج على الآداب العامة، ولكي نوفق ما بين تحقيق الشباب وأمن وسلامة الأسواق والمتنزهات من التعديات والإزعاجات، لا بد من وضع ضوابط تحمى بجهة مسؤولة تمنع وتردع كل من يريد ممارسة حرية العبث، ولا أظن أن هناك جهة مناسبة لذلك أفضل من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين تكون صلاحياتها مقصورة على منع التصرفات السلبية الظاهرة والجارحة والعلنية من جهة، ولتكون الجهة التي يلجأ إليها كل من يتضرر من أي تصرف يدخل في باب التعدي ومنه ما تتعرض له النساء من تحرش يعاقب عليه حتى في المجتمعات المتحررة من جهة أخرى. بوجود مثل هذه الضوابط وجهة تنفيذية يمكن لنا أن نعطي الشباب حقوقهم وتحميلهم مسؤولية تصرفاتهم، وهنا لا أعفي الجنس الآخر من المسؤولية، فهناك فتيات يشجعن الشباب بإثارة غرائزهم.
حقيقة لقد طرق سمو الأمير خالد الفيصل قضية بالغة الأهمية، وكذلك الحساسية، خصوصا أن أحد أطرافها هم الشباب، ويلاحظ هنا أن طرحه جاء من موقعه كمفكر وصاحب رأي وليس من مركزه كحاكم إداري، وإلا لكان أصدر قرارا بفتح هذه الأماكن أمام الجميع بمن فيهم الشباب، وحين يأتي هذا الرأي ممن يملك القرار، ويطلب دراسة الحالة وإيجاد حلول جذرية لها، يكون حريا بأن يناقش بجدية وشفافية وموضوعية، وهذا ما حاولته.