عثماني.. مزلزل كيان الصكوك.. ما بين سهام الأشقاء ورماح اليمين المتشدد

عثماني.. مزلزل كيان الصكوك.. ما بين سهام الأشقاء ورماح اليمين المتشدد
عثماني.. مزلزل كيان الصكوك.. ما بين سهام الأشقاء ورماح اليمين المتشدد

لا يتعين على محمد تقي عثماني، الذي يخضب لحيته بالحناء ويعتمر قلنسوة مصنوعة من الفرو الباهظ الثمن، أن يتنقل بين قارات العالم ليعرف مكانته بين منتقديه الغربيين الذي بدأوا يشعرون بالضجر وهم يرون "مدّ" ثقافة التمويل الإسلامي قد وصل إلى شواطئهم. فالشيخ تقي، كما يفضل الماليزيون منادته، لم ير أن هناك ضرورة ماسه تستوجب سفره إلى الأراضي الأمريكية ليقابل من يعبثون بتاريخه عندما وصفوه بداعم أيديولوجية الفكر المتشدد. فالانتقادات لا تزال تزحف إليه بلا كلل أو ملل، ليس من الخارج فحسب، بل من أبناء جلدته من طبقة أهل العلم الذين لا يعترفون بسيادة علمه الفقهي "المعتدل".

تشكيك الأشقاء
قبل ستة أشهر، وقف عثماني بكل جسارة أمام "فتنة" تحريم التعامل مع المصارف الإسلامية. حيث خرجت مجموعة من فقهاء باكستان "العاديين" بفتوى تحرم تعامل البسطاء من شعبهم مع الخدمات المصرفية الإسلامية. ومثل انتشار النار في الهشيم، انتشرت هذه الفتوى بين الجالية الباكستانية في الخارج لتصل إلى كندا. وحاول عثماني جاهدا الحوار مع هؤلاء المشايخ إلا أنهم فضلوا تهميش من كان ذات يوم قاضي المحكمة العليا في الدول المسلمة.
وأجبر تفشي"فتنة" الانقسامات بين مشايخ باكستان بعضا منهم على استفتاء "دار الإفتاء" من علماء الهند في جامعة " دار العلوم ديوبند" التي توصف بأنها جامعة "الأزهر" الهندية.
وكان المستفتي يفيد "بكثرة" المعارضين لمفهوم نظام الصيرفة الإسلامية الذي يحمله عثماني ويتساءل عما إذا كان فقهاء الجامعة الهندية يشاطرون أشقاءهم الرؤية نفسها. إلا أن الفتوى الهندية جاءت مخيبة لآمالهم ومزكية للمعرفة الدينية التي يحملها عثماني حول تحريم المعاملات الربوية والأمور غير الشرعية التي تواجه الصيرفة الإسلامية هناك. واشتدت لهجة الفتوى عندما حاولت قطع دابر المشككين في المعرفة الفقهية للعلامة الباكستاني: "وأعلموا أن من كان يتداول أحاديث التشكيك في عثماني أنه لا خير فيه".
يصف أحد الفقهاء الغربيين وهو على اطلاع وثيق بالشأن الباكستاني ذلك بقوله: "لقد كان ذلك تصرفا مخزيا من علماء باكستان الذين يزعمون أنهم يكنون الاحترام والتقدير للشيخ تقي".
لم يكن غريبا من الجامعة، التي عرف عنها منذ القدم مواقفها التقليدية في دعم العلماء، أن تقف مع الابن الذي كان ولده ذات يوم مفتي الدولة الباكستانية. ويشهد لبيت "آل عثماني" قيام علمائهم بنشر بريق الصيرفة الإسلامية خارج الحدود الباكستانية. فعمران، ابن محمد تقي، وكذلك ابن عمه يخدمان الآن في كبريات الهيئات الشرعية لدى مؤسسات المال الغربية والعربية. وكان الجنرال محمد ضياء الحق أول من تنبأ بفطنة الفقيه الشاب عثماني قبل أكثر من 40 عاماً. فبخلاف كونه إحدى الأدوات الأساسية التي أسهمت في ستينيات القرن الماضي في تقديم مفهوم الصيرفة الإسلامية لبلاده، فقد أصبح أحد جلساء الجنرال الذين يستعان بهم، وقد استعان بهم في إقامة الحدود والقصاص. وأسهمت مؤلفاته في فقه المعاملات في إثراء صناعة المال الإسلامية بالمعرفة للأزمة التي مهدت لإنشاء قوائم صناعة الصيرفة الإسلامية حول العالم.

حملات اليمين و"الداو"
الذين لم ينجحوا في التشكيك في اجتهاداته الشرعية في فقه المعاملات، فضلوا، بعد أن تقطعت بهم السبل، أن يربطوه بأمور أخرى.
الأعلام "اليميني" الأمريكي، على سبيل المثال، لم يقف مكتوف الأيدي وهو يرى صناعة المال الإسلامية تزحف نحو أراضيه، بعد أن أسهم عثماني في تثبيت أركان هذه الصناعة. حيث قام كتاب الأعمدة بالنبش في تاريخ الفقيه المسلم وقاموا بربطه بالفكر المتشدد. وأسهمت حملاتهم في جعل شركة داو جونز تطلب من فقيهها، بعد أن درّ عليهم الملايين، تقديم استقالته من مجلس الشريعة الاستشاري لتلك المؤشرات.
وبعد إقالته بعدة أشهر، اعترف مايكل بترونيلا، رئيس مؤشرات داو جونز، بأن سبب الإقالة يرجع إلى "الاتهامات" التي تناقلتها وسائل الإعلام الأمريكية حول عثماني.
هكذا وبكل بساطة وقبل حتى التحقق من صحة تلك "الاتهامات" من عدمها، تتخلى "داو جونز" عن فقيهها الذي أسهمت معرفته في "أسلمة" مؤشراتها وانبثاق ما يعرف اليوم بـ "المؤشرات الإسلامية".
#2#
عثماني في أعين منتقديه
لا تتردد كارلا باور في وصف عثماني ونظام يعقوب وابن بلدها الفقيه يوسف طلال ديلورنزو أنهم باتوا يعدون من "أبطال المالية الإسلامية". تقول الكاتبة الأمريكية في عمودها "حتى بداية الانقباض الائتماني الذي وقع في عام 2008، كانت المصرفية الإسلامية تخصصاً جديداً يشهد نمواً سريعاً في التمويل الدولي، وإن كان مجالاً مغموراً نسبياً. ولكن بعد انهيار "وول ستريت" بدأ أبطال المالية الإسلامية في ترويج القطاع باعتباره ملاذاً آمناً من مصائب الاقتصاد العالمي". وبعد هذا الثناء تقوم الكاتبة بالتلميح إلى أن هؤلاء الفقهاء يمارسون التحايل عبر إضفائهم الجانب الشرعي على عقود القروض السكنية وبطاقات الائتمان التي يجنون من ورائها الأموال الكثيرة. بينما يصف "مركز القضاء المسيحي" عثماني بكونه "عراب" المالية الإسلامية و"الأب الروحي" لها. ومن ثم يبدأ المركز في رمي التهم جزافا على الفقيه الحنفي الذي كان كبار "وول ستريت" يأتون إليه لأخذ مشورته في الأدوات الاستثمارية.

وللخليجيين نصيبهم
وكانت سوق الصكوك العالمية قد فقدت ما يصل إلى نحو 31 مليار دولار كمبيعات كان منتظرا تحققها لولا أزمة الائتمان العالمية، والجدل الشرعي الذي أحدثته تصريحات عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، الذي صرح بأن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة كانت غير ملتزمة بالأحكام الشرعية بسبب وجود اتفاقيات إعادة الشراء.
وأسهمت تلك التطورات في وصف محمد الشعار، الأمين العام لهيئة المحاسبة، تصريحات عثماني (66 سنة) حول "إصلاح" سوق الصكوك من المخالفات الدينية التي كانت ترتكب باسم الدين على أنها "قد جلبت الدمار" لهذه الأسواق حتى الآن. إلا أن الفقيه الذي يصفه الغربيون بأنه أقوى الفقهاء المصرفيين تأثيرا على مستوى العالم، يرفض التعليق على تصريحات رئيسه الذي يصغره في السن على الرغم من إلحاح مراسل وكالة "رويترز" جاسن بينهام. فالفقيه المتواضع لا يزال يفضل تتبع سياسة الصمت علها تنفع مع معارضيه.
وعلى الرغم من إنصاف صحيفة "الفاينانشيال تايمز" أشهر فقيه مصرفي في الألفية الحديثة بعد أن وصفته "بصاحب المعروف" الذي عمَ به قطاع الصيرفة، لا يزال البعض في الخليج يصف الشيخ بأنه "تآمر" لإذابة سوق الصكوك الخليجية واغتيالها لمجرد أنه تجرأ بالإشارة إلى هياكل الصكوك "غير الإسلامية"، أي المحرمة بلهجة أشدّ، التي كانت تتفشى في نسيج صناعة المال الإسلامية. وتطرح إشادة صحيفة "المال" البريطانية تساؤلات عدة، فكيف أصبح تصويب الخطأ وعدم السكوت عليه في أعين الخليجيين شيئا من السلبيات التي توصم بها السيرة الذاتية للفقيه المصرفي؟
يتساءل أحد رفقاء درب عثماني: "أما حان للعاملين في صناعة الصيرفة الإسلامية أن يطووا صفحة تبعات أزمة الصكوك ويقفوا مع "فقيه كراتشي"؟ ولا سيما بعد أن قويت شوكة خصومه".
"الله المستعان إلى ما آلت إليه حال فقيهنا"، كما يفضل أحد أصدقائه المخلصين وصف حال من ثبت أوتاد هذه الصناعة على مدى العقود الأربعة الماضية.

الأكثر قراءة