بعض دول الخليج ستسجل عجزا في ميزانياتها يتجاوز اشتراطات الوحدة النقدية
توقع تقرير اقتصادي حديث أن تسجل بعض دول مجلس التعاون الخليجي عجزاً في ميزانياتها أكبر من الحد الأدنى المشترط لدخول نطاق الوحدة النقدية (العملة المشتركة) الذي يبلغ 3 في المائة من الناتج الإجمالي. ويعتقد التقرير الذي أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية والأبحاث في "جدوى للاسثتمار"، أن هناك جملة عوامل ترشح عدم إطلاق العملة الخليجية الموحدة مطلع العام المقبل 2010. إلى التقرير:
#2#
أكدت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولون في مجلس التعاون الخليجي ومحافظو البنوك المركزية لدول الخليج تأجيل تطبيق الوحدة النقدية التي كان مخططاً أن تبدأ عام 2010 إلى وقت لاحق، حيث لم يتحقق تقدم كاف فيما يختص بعمل الإجراءات الهيكلية اللازمة لإطلاق عملة خليجية موحدة لدول المنطقة العام المقبل ويبدو أن الإرادة التي كانت تدعم المشروع والتعجيل بتنفيذه قد أصابها الوهن. وعليه، يعد تأجيل مشروع الوحدة النقدية الخليجية في ظل التوتر غير المسبوق وسط دول منطقة اليورو وكذلك وسط الدول الخليجية التي تبنت سياسات نقدية متباينة في تعاطيها مع الأزمة المالية العالمية أمرا معقولا.
وكان مسؤول خليجي قد صرح في أواخر آذار (مارس) أن مشروع الوحدة النقدية لن يتم تطبيقه عام 2010، وقد عززت وجهة النظر تلك تعليقات صدرت من محافظي البنوك المركزية الخليجيين في اجتماعهم بتاريخ 6 نيسان (أبريل). وتعد هذه التصريحات تأكيداً لما كان متوقعاً بشدة منذ فترة بأن إطلاق العملة الموحدة سيتم تأجيله.
وكان قرار عمان في نهاية عام 2006 بعدم الانضمام إلى العملة الموحدة في عام 2010 ثم تعويم الدينار الكويتي بعد ستة أشهر لاحقة (يرتبط سعر صرف عملات جميع الدول الخليجية الأخرى بالدولار) قد أثارا الشكوك حول إمكانية تطبيق العملة الموحدة. إضافة إلى ذلك، يرجح أن يشهد هذا العام تبايناً أكبر في الأداء الاقتصادي بين دول المنطقة مما يحول بين بعض تلك الدول وبين تحقيقها معيار التقارب الاقتصادي (وإن كانت تلك المعايير تعد موجهات أكثر من كونها شروطا مسبقة للانضمام إلى الوحدة النقدية). وجدير بالملاحظة أن بعض الدول ستسجل عجزاً في الميزانية أكبر من الحد الأدنى الذي يبلغ 3 في المائة من الناتج الإجمالي.
وتواصلت عملية تشكيل المؤسسات اللازمة للوحدة النقدية، حيث صادق قادة الدول الخليجية في كانون الأول (ديسمبر) على اتفاقية لإنشاء المجلس النقدي الذي سيمهد السبيل لطرح عملة خليجية موحدة والذي سيتحول في النهاية إلى بنك مركزي لدول المجلس.
ولا تزال هناك عدة قضايا مهمة معلقة تحتاج إلى تسوية أولاها إحداث توافق وانسجام بين القوانين ونظم الدفع والتسويات والبيانات الاقتصادية في مختلف دول المنطقة وهو أمر يتطلب تحسناً في مستوى الشفافية، وثانيتها الوصول إلى اتفاق بشأن كيفية إدارة أصول البنك المركزي الخليجي بما في ذلك احتياطياته واختيار اسم العملة الجديدة وتحديد مقر البنك المركزي، وثالثتها وأهمها اتخاذ قرار حول سياسة سعر الصرف (هل سيتم ربط سعر العملة الجديدة بسعر صرف الدولار) وحول أسعار الصرف التي تستخدم لكل عملة مقابل العملات الأخرى (هل تحتاج كل دولة إلى تعديل سعر صرفها لمرة واحدة قبل الانضمام إلى وحدة النقدية).
ويرى البعض أن الأزمة المالية العالمية وما تبعها من ركود ستزيد من الحاجة إلى تطبيق الوحدة النقدية، لكننا لا نعتقد – حسب ما ورد في نص تقرير "جدوى للاستثمار"، أن هذا هو واقع الحال. لقد انتهجت الدول الخليجية منذ بدء الأزمة المالية أساليب مختلفة لوضع سياسات أسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال عمدت المملكة العربية السعودية إلى إجراء خفض كبير في أسعار الفائدة لتشجيع البنوك على زيادة الإقراض بينما لجأت قطر إلى إبقاء أسعار الفائدة القائمة دون تغيير - خوفاً من ارتفاع التضخم - واتخذت بدلاً من ذلك خطوات أخرى لدعم قطاعها المصرفي، ولكن هذا التباين في أساليب التعاطي مع قضية واحدة لن يكون ممكناً في حالة تطبيق الوحدة النقدية وإنشاء بنك مركزي خليجي. وعلاوة على ذلك نرى أن الركود العالمي يتسبب حالياً في أشد التوترات حدة في منطقة اليورو منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة (اليورو هو النموذج الماثل الآن أمام العملة الخليجية الموحدة).
بما أن كل عملات دول المنطقة باستثناء واحدة مترابطة مع بعضها فإن كثيراً من المكتسبات التي حققتها منطقة اليورو من إزالة عامل التذبذب في أسعار الصرف لا تنطبق على دول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى ذلك، نجد أن معظم الصادرات غير النفطية المنتجة في منطقة الخليج متشابهة كالبتروكيماويات مثلاً، مما يرجح أن تكون الفوائد المرجوة من التجارة البينية بين دول المنطقة ضئيلة على المدى القريب. ولكن رغم ذلك ستساعد العملة الموحدة إضافة إلى دورها في منع أي تقلبات في سعر الصرف في تقليل تكلفة المعاملات التجارية وتسهيل الإجراءات المحاسبية كما تخلق مزيدا من المنافسة وتحقق مكاسب للمستهلكين من خلال تعزيز الشفافية الكاملة في تحديد الأسعار في جميع دول المنطقة.
وكما أن المكاسب من الوحدة النقدية ستأتي أقل وضوحا من المكاسب في منطقة اليورو فإن الخسائر الناجمة عن تحديد سعر صرف دائم تعد محدودة في ظل النظام الحالي القائم على ربط أسعار صرف العملات الخليجية بالدولار الأمريكي على مدى زمني طويل، وذلك لأن دول المنطقة كانت قد تخلت أصلاً بدرجة كبيرة عن معظم استقلاليتها في السياسة النقدية لصالح الولايات المتحدة. وفي النهاية يعد قرار الانضمام إلى وحدة نقدية، كما كان الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هو قرارا سياسيا.
ويأتي التباطؤ في تبني وحدة نقدية خليجية في وقت تشهد فيه الوحدة النقدية في دول الاتحاد الأوروبي أشد لحظات ضعفها. في الحقيقة لم يجلب تبني اليورو كعملة أوروبية فقط الاستقرار للعملة بل أدى كذلك إلى خفض تكلفة الاقتراض بالنسبة لعديد من الدول من خلال تقليص علاوة المخاطرة التي يدفعها المستثمر مقابل الإقراض، مما قاد إلى زيادة كبيرة في حجم اقتراض القطاع الخاص واستهلاكه وتسبب ذلك بدوره في فقاعات أسعار المنازل وعجز خارجي ضخم.
وكان للدول المتأثرة - قبل انضمامها إلى اليورو - خيار خفض قيمة عملاتها من أجل استعادة سلامة أوضاعها الاقتصادية، أما الآن فسيتم تكييف الأوضاع إما من خلال الركود وإما البطالة، مما أدى إلى مخاوف بأن تخرج بعض الدول من منظومة اليورو لتفادي عملية التكييف المؤلمة (لكننا لا نعتقد أن أياً من الدول سينسحب من المنظمة وذلك لأن الانسحاب سيؤدي بصورة فورية إلى خلق أزمة للعملة كما سيضاعف كثيراً المشكلات في القطاع المصرفي المحلي). ولم تتحقق الإصلاحات الضرورية فيما يتعلق بتعزيز المرونة الاقتصادية والسياسات المالية المناسبة، بل بدلاً من ذلك تضخمت مديونية الدول في سعيها لتمويل العجز في حساباتها الجارية. والآن ارتفعت بشدة تكلفة الاقتراض وانفجرت فقاعة أسعار المنازل وضرب الركود العالمي المنطقة وتزايدت المخاوف بشأن قدرة بعض الحكومات على تسديد مديونياتها.