رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نتنياهو يدعم موقف حركة حماس

فاز حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو من بين الأحزاب الإسرائيلية بأحقية تأليف الحكومة المقبلة للكيان الصهيوني، وهو أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة. ومعروف عن هذا الإنسان المتغطرس بمواقفه المتشددة تجاه أي حلٍّ للقضية الفلسطينية. وقد قال صراحة قبل الانتخابات الرئاسية وبعد أن يُكلَّف برئاسة الحكومة الجديدة أنه لا يؤيّد قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأنه سيعمل فقط على تحسين الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني. وهو يقصد بطبيعة الحال إبقاءهم يعيشون عالة على ما تسمح به لهم إسرائيل ويظلون تحت هيمنتها حتى تطلع الشمس من مغربها. وهذه هي المصيبة الكبرى التي تواجه الزعامة الفلسطينية منذ بدأ اتصالها بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. فكلما تكونت حكومة جديدة لا تتقيد بما اتُّفِق عليه مع ممثلي الشعب الفلسطيني، فكان على الفلسطينيين أن يعيدوا المفاوضات مع الحكومة الجديدة بعد أن يكون الوضع العام على أرض الواقع قد تغيَّر لصالح عدوِّهم.
وحركة حماس تعي ما هو حاصل على الساحة الفلسطينية وتعلم من التجارب السابقة خلال الـ 60 عاما الماضية أن لا فائدة تُرجى من مواصلة الاتصالات مع العدو الصهيوني، حسب الوتيرة التي كانت تُدار بموجبها المفاوضات العقيمة، حيث لم تجد شيئاً ولم تجلب للفلسطينيين خيراً. وقد جرَّب الفلسطينيون الكثير من أنواع المفاوضات والاتصالات السرية والعلنية، ولجأو أحيانا إلى المقاومة غير المسلحة التي كانت أقرب إلى العصيان المدني. ورئيس الدولة الجديد نتنياهو ووزير خارجيته المدعو ليبرمان، الأكثر تشدداً، يثبتان نظرية حركة حماس التي تقول أن لا أمل يُرجى من استمرارية الحوار والمفاوضات مع أركان حكومة إسرائيل الذين لم يعترفوا في يوم ما بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وهم أصحاب الأرض الأصليين. فموقف "حماس"، من بين المجموعات الفلسطينية الأخرى، والمتمثل في تعليق المفاوضات غير المجدية وضرورة استئناف المقاومة، أقرب إلى المنطق السليم، على ضوء المواقف المتصلبة من جانب إسرائيل.
ونظرة إسرائيل الجديدة تجاه القضية الفلسطينية المتضمنة إنكار أن للشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولة مستقلة على أرضه مثل ما هو قائم لليهود، تضع الدولة العبرية في المقام الذي حاولت طوال السنين الماضية أن تخفيه. فقد تبين للملأ أنها هي التي كانت تعرقل مساعي السلام بينها وبين الشعب الفلسطيني. وهذه فرصة ذهبية لممثلي الشعب الفلسطيني أن يستغلوا مواقف إسرائيل الحالية المتطرفة وينقلوها إلى العالم عبر إعلام رزين وربطها بالاعتداءات الإسرائيلية الشنيعة التي يمارسها العدو على المدنيين العُزَّل منذ أن استولى اليهود على فلسطين. ويجب ألا يُغفلوا في الوقت نفسه التأكيد على أن المساعدات المالية السخية التي تمنحها أمريكا للدولة الصهيونية ومدها بجميع أنواع الأسلحة المتطورة وتسخير إعلامها المتحيز لصالح إسرائيل كان من أهم الأسباب التي شجعتها على التمرد ورفض قرارات مجلس الأمن وتصلُّب موقفها تجاه الحقوق الفلسطينية.
وليس أمام الشعب الفلسطيني اليوم، وبعد أن يئسوا من الحصول على حلٍّ عادل لقضيتهم المصيرية، إلا أن يغيروا من استراتيجيتهم وطريقة تفكيرهم ويقتنعوا أن لا مناص من وحدة الصف خلف قيادة جديدة صلبة لا تفاوض من موقع ضعف. وحركة حماس تمتلك تلك المزايا، وهي أهل لتمثيل مطالب الشعب الفلسطيني كما برهنت على ذلك أثناء صمودها في وجه الهجوم الوحشي الأخير والمدمِّر على قطاع غزة. الشعب الفلسطيني في حاجة إلى التعبئة العامة والصمود أمام الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المُتوقَّعة لمدة طويلة، وإلى إقناع الرأي العام العالمي بعدالة قضيتهم عن طريق إبراز هضم حقوقهم وتفرُّد إسرائيل باتخاذ جميع القرارات التي تمس حياتهم، وهي في الغالب قرارات جائرة. وإذا قرر الشعب الفلسطيني استئناف المقاومة كجزء من الاستراتيجية الجديدة، فليكن ذلك، ولكن بطريقة علمية مدروسة ولا يتعدى سلاحها قذف الحجارة حتى لا يُعطوا العدو الإسرائيلي ذريعة للتنكيل بالمدنيين كما فعل خلال أحداث غزة، فاليهود لا يهمهم وجود تكافؤ بين الطرفين. والهجوم العنيف الأخير على غزة لم يكن إطلاقاً ردًّا على صواريخ المقاومة التي نادراً ما تسبب إصابات بشرية، بل ربما أنها كانت ذريعة لليهود لشن هجوم انتقامي ضد حركة حماس في غزة لانتهاجها موقف عدم الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، بينما فئات فلسطينية أخرى تعترف بوجود الحكومة الصهيونية وتتفاوض معها "على أوهام". وعلى الفلسطينيين أن ينتظروا وألا يتحرشوا بعدوهم حتى يستطيعوا امتلاك سلاح مدمِّر يكون نسبياّ نداًّ لسلاح العدو، وفي الوقت نفسه يستطيعون الحفاظ عليه، ليكون ذلك حافزاً للإسرائيليين للجلوس على طاولة المفاوضات مع ممثلي الشعب الفلسطيني.
ومما يُحزن حقاًّ، ما نشاهده اليوم على الساحة الفلسطينية من بوادر نسيان لما حصل في قطاع غزة من تدمير لجميع المرافق الحيوية وقتل للأبرياء من النساء والأطفال بواسطة أكثر الأسلحة فتكاً، ولم يمض على وقوع الاعتداء الصهيوني إلا أسابيع قليلة! ومن المضحك المبكي أن تلهو المجموعات الفلسطينية وتنشغل عن استغلال نتائج تلك الحرب الظالمة بموضوع المصالحة التي لم ولن يُكتب لها النجاح. وكان الأولى أن ينشغل الإعلام الفلسطيني والعربي بمتابعة ردود الفعل العالمية على فظاعة قتل النساء والأطفال بدم بارد أمام شاشات التلفزيون الحيَّة. أما الخلافات الفلسطينية المزمنة بين الحركات والفصائل فليس لها حل إلا بحلها جميعاً وإزالتها من الوجود، ثم يُدعى الشعب الفلسطيني إلى التصويت لانتخاب ممثلين جُدد ممن يتوافر فيهم الإخلاص وحسن القيادة والعِفَّة عن أكْلِ المال العام والاستعداد لمواجهة طويلة ومشرِّفة مع العدو وخوض غمار مقاومة تنهك قواه وتفضح لؤمه أمام الرأي العام العالمي. ويجب أن نعلم أن قوة العدو الدعائية تنبع من ضعف وعدم تماسك القيادات الفلسطينية وعدم ارتباطها بجميع أطياف شعبها.
فيا إخوان، ليس هذا وقت التحزُّب ولا الفخر بالانتماء إلى الأحزاب، ولا الشعب الفلسطيني في حاجة إلى مجموعات من القيادات التي أكبر همها الحفاظ على كيانها، سواء اتفقت مع بعضها "ظاهريا" أم لم تتفق. وإذا كان الإنسان الفلسطيني مستعدا للتضحية بحياته من أجل وطنه، ألا يجدر بقيادييِّ الحركات والفصائل أن يُضحُّوا بمناصبهم، وليس بأرواحهم، لتختار الأمة الفلسطينية قيادة موحَّدة وقوية تسير بها نحو تحقيق مطالبها المشروعة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي