رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تكلفة العوائد .. أهمية استدامة السياسة الاقتصادية

خلص متناقشون في أحد المنتديات السنوية لجمعية خريجي كلية وارتون للأعمال في جامعة بنسلفانيا الأمريكية إبان تبادل وجهات النظر حول شؤون التمويل والاستثمار في أسواق الشرق الأوسط المالية إلى أمرين مهمين لهما علاقة مباشرة بأداء الأسواق الناشئة خلال العقد الحالي.
الأمر الأول طبيعة السيولة الأجنبية المباشرة المستثمرة في الأسواق الناشئة. والأمر الآخر، آلية تفاعل أسواق المال الناشئة مع هذه السيولة.
تتميز السيولة الأجنبية المباشرة المستثمرة في الأسواق الناشئة بأنها تعتمد، بشكل أساسي، على معدل العائد على الاستثمارات, حيث يعد توقع تحقيق عائد يقارب 25 في المائة سنويا، معدلا مناسبا للمضي في قرار الاستثمار في سوق ناشئة معينة، عوضا عن أسواق ناشئة أخرى.
كما تتميز هذه السيولة بخواص أخرى, منها أنها استثمارات قصيرة الأجل، وتشكل جزءا من استثمارات قائمة في الأسواق المتقدمة، ولا تنظر إلى طبيعة الشركات المستثمرة فيها في السوق الناشئة، وفيها من المرونة ما يمكنها من مغادرة السوق الناشئة مع ظهور بوادر أي تحد اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، أو جميعها معا، يمكن أن يحول دون تحقيق الهدف الأساسي، وهو عائد يقارب 25 في المائة سنويا، ضمن الفترة الزمنية المحددة.
تتفاعل هذه السيولة عند دخولها في السوق الناشئة مع عدة عوامل فتسهم في تحسن أداء سوقها المالية، وزيادة جاذبيتها، ونموها على المدى القصير. خلص المتناقشون إلى أن أهم هذه العوامل استمرار التدفق السريع للسيولة المحلية، ذات الطبيعة الاستثمارية طويلة الأجل، إلى السوق المالية المحلية بسبب نمو الاقتصاد المحلي، وتواضع فرصه الاستثمارية.
يسهم تدفق كلتا السيولتين، الأجنبية والمحلية، في إحداث طفرة نوعية في السوق المالية المحلية. تسعى السوق المالية بعد ذلك إلى استدامة طفرتها عن طريق زيادة درجة الانفتاح على أسواق المال المتقدمة، وتدويل شرائح المستثمرين، وزيادة فرص تمويل شركاتها المدرجة.
تخرج هذه السيولة من السوق الناشئة بشكل سريع مع ظهور أي بوادر تحد اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، أو جميعها معا، مستفيدة من خاصيتها المرنة، ومحدثة تراجعا في أداء سوقها المالية. تتباين حدة تأثر أداء الأسواق المالية الناشئة بخروج السيولة، بين تصحيح وانهيار، بسبب تباين حجم هذه السيولة إلى حجم السيولة الإجمالية داخل السوق المالية، بين متوسطة وكبيرة، وتباين وجهتها، بين التدوير في السوق المحلية والدولية.
خلص المتناقشون إلى أهمية توجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة للاستثمار في السوق الناشئة، بشكل مباشر، ومن ثم في سوقها المالية، بشكل غير مباشر. الداعم الرئيس في هذا التوجه هو توطين الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتسهم في تنمية الاقتصاد المحلي على المدى البعيد، وزيادة القيود عند محاولة الخروج مع ظهور بوادر أي تحد اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي، أو جميعها معا. كما خلص المتناقشون أيضا إلى أهمية التنسيق البيني بين الأسواق المالية الناشئة والمتقدمة بما يحقق أقصى درجات الاستدامة الممكنة.
تقودنا هذه الخلاصات إلى النظر في نتائج اجتماع قمة العشرين, الذي كشف النقاب عنها الأسبوع الماضي في العاصمة البريطانية لندن, حيث اتفق ملوك، ورؤساء، ورؤساء حكومات مجموعة العشرين في بيانهم الختامي إلى اتفاق يمكن أن يوصف بالجريء نحو معالجة انعكاسات الأزمة المالية العالمية.
وعلى الرغم مما حمله البيان من اتفاقيات طموحة نحو تحفيز منظومة الاقتصاد العالمي واستدامتها، إلا أن المداومة على مراجعة التزامات الدول الأعضاء بوعودها من الأهمية بمكان لتفادي انحراف المركبة العالمية عن مسارها المأمول.
احتوى البيان الختامي للقمة على 24 اتفاقية جريئة موزعة على ستة محاور. المحور الأول إعادة الثقة والنمو والتوظيف. والمحور الثاني إصلاح النظام المالي وإعادة النمو. والمحور الثالث الرقابة المالية على المصارف والمؤسسات وصناديق التحوط. والمحور الرابع دعم المؤسسات المالية للخروج من الأزمة المالية الحالية وضمان ألا تعود مرة أخرى. والمحور الخامس تشجيع التجارة الدولية والحد من السياسات الحمائية. والمحور السادس والأخير برنامج الإصلاح والنمو الشامل لدول العالم, خصوصا الفقيرة منها.
بلغت تكلفة تنفيذ جميع هذه الاتفاقيات، فيما لو تم الالتزام بها من قبل جميع الأعضاء العشرين، خمسة تريليونات دولار أمريكي حتى نهاية 2010 لتحفيز الاقتصاد العالمي. خصص 20 في المائة من هذه التكلفة الإجمالية لدعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي موزعة على ثلاث فئات. الفئة الأولى 500 مليار دولار لصندوق النقد الدولي. والفئة الثانية 250 مليار دولار لزيادة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي. والفئة الثالثة 250 مليار دولار لدعم التجارة.
تعد جميع هذه الاتفاقيات متميزة بعض الشيء إذا ما قورنت بمثيلاتها الصادرة في البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين الماضية في العاصمة الأمريكية واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر). حيث توزعت اتفاقيات قمة واشنطن على ستة محاور أيضا. المحور الأول اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لاستقرار النظام المالي. والمحور الثاني التأكيد على أهمية دعم السياسة النقدية للاضطلاع بدورها في الاقتصاد المحلي. والمحور الثالث التأكيد على المحافظة على التزامات التنمية السابقة. والمحور الرابع دعم الاقتصادت الناشئة في الحصول على التمويل اللازم. والمحور الخامس تشجيع المؤسسات المالية الدولية للاستمرار في سياساتها التمويلية. والمحور السادس التأكيد على تلبية احتياجات المؤسسات المالية الدولية من الموارد اللازمة.
ما يهمنا في هذا السياق التزام الاقتصاد السعودي نحو اتفاق مجموعة العشرين خلال الفترة الزمنية المقبلة, حيث نفى الدكتور إبراهيم العساف وزيـر المالية تقديم السعودية أي دعم مالي لصندوق النقد الدولي, مؤكداً أن هناك بدائل أخرى ستجري دراستها لاحقاً. يضاف إلى هذه الآليات البديلة التزام السعودية بقرارات قمة واشنطن السابقة فيما يتعلق بحرية التجارة، على المستوى الدولي، واستمرار دعمها الصندوق السعودي لتمويل الصادرات، على المستوى المحلي، انطلاقا من عدم القناعة بمبررات دعم تمويل التجارة الدولية القائمة.
مثل هذه السياسة الهادفة إلى الموازنة بين العوائد والتكاليف بين الدور السعودي على المستوى المحلي ومثيله على المستوى الدولي من الأهمية بمكان التوكيد على استدامته لدوره الإيجابي في زيادة مقومات الاقتصاد السعودي اللازمة خلال المرحلة المقبلة. مرحلة من الأهمية بمكان مراقبتها من كثب حتى نصل إلى موعد قمة مجموعة قمة العشرين المقبلة في العاصمة الفرنسية باريس العام الحالي حسبما تشير توقعات عدد من المراقبين الدوليين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي