رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المملكة في قمة العشرين

لم يأت وجود المملكة مصادفة ولا عرضيا ضمن تجمع الدول العشرين، التي تسعى إلى إصلاح ومعالجة النظام الاقتصادي العالمي بعد تصدعه والمخاوف الجدية من انهياره بفعل أزمة مالية خانقة ضربت مفاصله الرئيسية نتيجة أخطاء وسلبيات النظام الرأسمالي الذي توحش، وخصوصا بعيد سقوط المعسكر الاشتراكي المنافس السابق له، وذلك حين عظمت الرأسمالية من شهوة الكسب المفرطة على حساب البُعد الأخلاقي، كما يرى العديد ممن بحث في أسباب وآفاق هذه الأزمة، وخاصة من المنظور الإسلامي، بل جاء وجود المملكة بفعل حقائق دورها السياسي والاقتصادي المستمر والراسخ على الرغم من محاولات إضعافه أو التقليل من حجمه، وخصوصا بعد أحداث أيلول (سبتمبر) الشهيرة في الولايات المتحدة. ومشاركتها في مثل هذه القمة التي تعمل على إنقاذ الاقتصاد العالمي من أتون أزمة عاصفة تكاد تؤدي به إلى هوة بسبب ممارسات رأسمالية بالغة السوء، هو تأكيد لهذا الدور السعودي واعتراف به من منطلق أن المملكة دولة فاعلة ومؤثرة ومسؤولة على الصعيد العالمي اقتصاديا وسياسيا، وهو دور علينا استثماره وتحويله إلى قوة لها كلمة وموقف وقرار.
صحيح أن موقع المملكة في الخريطة الاقتصادية العالمية يأتي أساسا من كونها الدولة النفطية الأولى عالميا بلا منازع، وهو موقع إيجابي جعلها تحتل هذه المكانة، بحيث تدعى لتكون ضمن العشرين دولة المعنية بالقرار الاقتصادي العالمي، إلا أن الأهم من وجهة نظر أخرى في دعوة المملكة هذه ليس فقط لموقعها النفطي، بل لدورها السياسي المرتبط به بالدرجة الأولى، الذي يؤكد قيمة وأهمية المملكة في القرار السياسي، ومن ضمنه القرار الاقتصادي، وهذا ما علينا التنبه له مثلما تنبه له الآخرون، فقيمة دور الدول يحدده أساسا المدى الذي تستطيع لعبه في الخريطة السياسية الإقليمية أولا ثم الدولة ثانيا، ودعوة المملكة إلى قمتي العشرين وسط هذه الأزمة المالية العالمية الخانقة التي تعصف فعلا بالعالم، هو إقرار واعتراف بما هو متوافر لها من عناصر قوة وتأثير يمكّنها من لعب دور رئيسي مؤثر إقليميا وعالميا، وهو ما يفتح الباب واسعا لأن تمارس المملكة دورها الإقليمي والعالمي بما يؤكد فعلا امتلاكها أدوات لعب هذا الدور، الذي سيحدده وجود الإرادة اللازمة للقيام به، وخصوصا إذا عرفنا أن قمة العشرين هي تأسيس لقوى العالم المؤثرة، وبداية بروز عالم الأقطاب المتعددة، وحين تصبح المملكة جزءا من تجمع عشريني كهذا، فهو يعني وبلا جدال أنها باتت ضمن قوى العالم الفاعلة اليوم.
هذا الدور السعودي الذي أخذ باستحقاق من ناحية، ومن ناحية أخرى بإدراك من القوى العالمية أهميته، يفرض مسؤوليات محددة من خلال المشاركة في مثل هذا التجمع العالمي النخبوي، فالمملكة حين تدعى لتسهم في معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية، يجب ألا تأتي مشاركتها فردية، بل عليها أن تكون على أساس أنها تمثل عالم عربيا وإسلاميا وثالثا، وهذا بداية الدور الإقليمي الذي ينتظر المملكة، وهو دور يبدأ من أن تكون متكلمة باسمه من خلال الدفاع عن مصالحه وأولها الاقتصادية ومن ثم السياسية.
ولا شك أن مشاركة المملكة كعضو رئيس في مجموعة العشرين بدافع حشد كل القوى الدولية المالية والاقتصادية المؤثرة لرأب تصدع الاقتصاد العالمي والناتج عن تراكم أخطاء التجربة الرأسمالية، يتيح الفرصة لها بأن تسهم وتشارك بفاعلية في المعالجة المطلوبة، ومن أوجهها تقديم الرؤية الإسلامية الاقتصادية، وخصوصا بعد أن ثبت أنها من ناحية ضبط الحراك الاقتصادي فاعلة في لجم عمليات الجشع والاستغلال، وتعلي من التعامل العادل، لا ضرر ولا ضرار، وثبوت نجاحها هو الذي دعا الفاتيكان إلى الأخذ بالمصرفية الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي