مع الأزمة.. موظفون مسرحون يختطفون مديري شركاتهم لحين إعادتهم للعمل
لم يتوقع الجميع أن ينقل أسلوب خطف الرهائن الذي يستخدمه خاطفو الطائرات أو العصابات، إلى الموظفين الذين يتم تسريحهم من الشركات العالمية في مختلف دول العالم، خاصة الأوروبية بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث سجلت حالات عديدة في دول أوروبية كثيرة من خطف مديري الشركات، الذين أصدروا قرارات بالاستغناء عن هؤلاء الموظفين لمواجهة هذه الأزمة.
وأصبحت هذه الظاهرة مادة دسمة لكبريات الصحف الأوروبية مثل "فينانشيال تايمز" البريطانية التي نشر خبرا عن اختطاف مدير شركة كونيتنال الفرنسية للإطارات، كما نشرت صحيفة "إكو" الفرنسية أنه تم اختطاف أحد مديري شركات سوني في أوروبا للغرض نفسه.
والغريب في الأمر أن هذه الصحف لم تذكر بالتفصيل مطالبة هؤلاء المختطفين الذين يشكلون أسلوبا جديدا من أساليب وطرق الاختطاف، وإن كان هدفهم الأول عودتهم للعمل في المقام الأول بأي شكل من الأشكال، والطريف في الأمر أن بعض المختطفين طالبوا بالعودة إلى العمل وفي أضيق ظرف ووضع، حيث طرح أحدهم العودة للعمل في وظيفته بأن يكون على رأس العمل لمدة شهر ثم يغيب العمل شهرا آخر، أو العمل عن طريق الساعات أو متعاونا مع الشركة بنظام معين.
كما لم تذكر الأخبار الصحافية تعامل الجهات الأمنية مع هؤلاء المختطفين، الذين يتخذون منازلهم مكانا لحجز رهائنهم من مديري الشركات.
يذكر أن هذه الشركات تطبق سياسات الاستغناء عن الموظفين تدريجيا مثل استخدام الإجازات المفتوحة، كما فعلت إحدى شركات الطيران الشهيرة بمنح مضيفيها ستة أشهر إجازة مفتوحة ومن ثم العودة للعمل لتقليل النفقات.
وكانت كبريات الشركات العالمية قد سرحت مئات الآلاف من الموظفين خلال الأشهر القليلة الماضية. وقررت إغلاق عديد من مصانعها، وأعلنت سبباً وحيداً لهذه الإجراءات وهو المنافسة، فمثلا شركة فورد سرحت أخيرا 75 ألف موظف، بينما لم تسجل أي إحصائيات رسمية في دول الخليج أو المنطقة العربية عن تسريح موظفين بأعداد أكبر حتى يتم تسجيل حالات مماثلة لخطف مديري الشركات مثلما شهدت عدد من الدول الأوروبية.
وكانت حكومة دبي قد نفت أنها لن تسرح موظفيها خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أن الأزمة المالية العالمية الحالية لن تتسبب في خطط مستقبلية تنفذ عبرها الحكومة حملة تسريحات أو استغناء عن موظفيها.
وشددت على أن عدم تسريح الموظفين لا يخص الإماراتيين فقط، كما "لا توجد لديهم عمليات استغناء لا عن المواطنين ولا عن أي من الجنسيات الأخرى".
على صعيد هذه الموقف نجحت عديد من النقابات العمالية والمهنية في الدول الرأسمالية في إقناع المؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى بتحمل جزء من المسؤولية في مصير العمال المفصولين، لتجاوز الآثار الاجتماعية المختلفة الناجمة عن انتشار البطالة وانعكاساتها.
وتوصلت تلك الضغوط إلى رضوخ أغلب الشركات لوضع ما يعرف بـ"البرنامج الاجتماعي" لرعاية الموظفين والعمال المفصولين خلال فترة محددة، لا تدخل في إطار المرحلة التي يحصل فيها المفصول على إعانة البطالة. ويشمل مثل هذا البرنامج الاجتماعي عدة نقاط مهمة، تختلف بطبيعة الحال من شخص إلى آخر، حسب الكفاءة المهنية، والسلم الوظيفي، وحسب مكانة الشركة على الصعيد الدولي.
فتساعد الشركات الكوادر الإدارية والفنية العالية والكوادر ذات الخبرة الواسعة على مهمة العثور على وظيفة مشابهة في مؤسسة أخرى، حتى إن كانت خارج البلاد، لأن أغلب تلك الكوادر مستعد للعمل في أي مكان، بدلا من الوقوف في صفوف العاطلين أمام مكاتب العمل والضمان الاجتماعي.
فعلى سبيل المثال، عندما بدأت شركة الطيران السويسرية "سويس إير" سابقا في الانهيار قامت بالسعي لتوظيف طياريها لدى شركات الطيران الدولية، وحتى الشركة الحالية "سويس" قامت بتوفير 40 فرصة عمل لطياريها لدى شركات طيران مختلفة، بعد أن قررت تقليص عدد العمالة فيها إلى الحد الأدنى.
ويؤشر على ما سبق إحصائيات الاتحاد الأوربي، التي تظهر تراجعا واضحا في ميزانية الدعم الاجتماعي الذي انخفض في الفترة ما بين عامي 1990 وعام 2001 من 28.4 في المائة من إجمالي الناتج القومي العام إلى 27.5 في المائة، وكانت الدول الإسكندنافية في مقدمة الدول التي خفضت بشكل كبير من نفقاتها الاجتماعية، تليها فرنسا، هولندا، إسبانيا إيطاليا، وبريطانيا، ورغم ارتفاع معدلات البطالة بشكل درامي فإن النموذج الاقتصادي الإسكندنافي يوصف بأنه الأكثر نجاحا في العالم!!
ولم يتبق أمام المواطنيين الأوروبيين في الدول الصناعية الكبرى سوى السعي لخوض "معركة"، بكل ما تعنيه الكلمة، للبقاء على قيد الحياة، وهذا السعي يسير في مراحل مختلفة بشكل متواز، فأسلوب التعليم والدراسة أصبح يعتمد بشكل أساس على تنمية روح الإبداع والتميز منذ الصغر.