هل ستستغل شركات التأمين "الأزمة" لتبرير إخفاقاتها؟
المتابع لأوضاع شركات التأمين السعودية يلحظ أن هناك صمتاً مطبقاًً يحيط بهذه الشركات ونشاطها في السوق، وأن هناك مساحة مقلقة من التفكير لا يمكن الوصول من خلالها إلى معرفة ما يدور خلف أسوار هذه الشركات، فهي تعمل في منطقة تسودها رؤية ضبابية قاتمة ولا يمكن لأي مراقب للسوق أن يعطي تصوراً واضحاً بخصوص أوضاع السوق وأداء شركات التأمين فيه.
وعلى العموم فإن استقراء أوضاع شركات التأمين السعودية يعتمد على عوامل ثلاثة أساسية، أولها اعتبار أن هذه الشركات هي شركات مساهمة مدرجة في السوق السعودية للأسهم وهناك ضوابط متعلقة بهذه الشركات باعتبارها شركات تخضع لتعليمات السوق المالية ومنها ضرورة إفصاح الشركة عن وضعها المالي وعن أي تطورات جوهرية تؤثر في هذا الوضع وهو ما يعطي استقراء مهماً لكل شركة تأمين مدرجة أسهمها في السوق، والعامل الثاني هو معرفة أداء الشركة من حيث نشاطها الفعلي المرتكز على التأمين فهذا النشاط هو الذي أُسست الشركة من أجله، خصوصاً إذا ما علمنا أن أقل رأسمال لشركة تأمين تم التأسيس لها وتم الاكتتاب به هو مئة مليون ريال والمطلوب من شركات التأمين ألا تنفق هذه السيولة بشكل مبالغ فيه على مسائل ليس لها علاقة بنشاطها الأساسي وهو التأمين أو ما تم تحديده لها من أوعية استثمارية عن طريق اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني. والأمر الذي لا يحتاج إلى تفكير هو أن الشركات التي أُسس لها يجب عليها ضغط مصاريفها الإدارية قدر الإمكان والتوسع بنشاطها التأميني عن طريق شراء محافظ تأمينية قائمة أو أن تقوم بطرح منتجات تأمينية جديدة ومبتكرة ومفيدة للجمهور ومربحة بالنسبة لها أيضاً. إن الاعتماد على رأس المال المتحصل لشركات التأمين من خلال الاكتتابات في تسيير أمور الشركة الإدارية والمالية دون إيجاد مورد كاف ومتجدد للشركة هو أمر غير مقبول فرأس المال المحتفظ به لدى هذه الشركات في الإدراج ـ إن صح التعبيرـ هو مورد ناضب واستهلاكه بهذا الشكل سيوقع شركات التأمين في حرج شديد، لأنها ستكون في نظر المساهم عبارة عن شركات جاءت لتمتص السيولة الموجودة لديه ثم تختفي دون أن تكون قد مارست عملاً (أصلياً) يتوافق مع ما هو منصوص عليه في ترخيص نشاطها، خصوصاً أن بعضها قد أصبح مهدداً بالخروج من السوق المالية نظراً لعدم قدرته على استيفاء شروط بقائه فيها بحسب ما تنص عليه الضوابط والتعليمات في هذا الشأن.
العامل الثالث وهو مرتبط بما قد يتم الإعلان عنه من تأثر شركات التأمين بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وهذا السبب له ما يبرره ولكن شريطة أن تبرهن شركات التأمين وبالأرقام على سبب تأثرها بهذه الأزمة وما إذا كان لهذا التأثر علاقة بالنشاط التأميني الصرف الذي تقوم به شركة التأمين أم لا، ولا بد كذلك من التوضيح لنا عن الروابط بين ممارسة الشركة للنشاط التأميني المحلي وما عانته شركات التأمين على الصعيد العالمي، وإن لم يكن للأمر علاقة بنشاط التأمين فلا بد من معرفة علاقة الأزمة المالية العالمية باستثمارات شركات التأمين لدينا للأموال والعوائد الخاصة بها في الصناديق المالية، ولماذا تم الاستثمار بها؟ وهل ما تم من استثمار لهذه العوائد متوافق مع المتطلبات الرقابية للنظام ولـ (ساما)؟ فحينها فقط يتم تقييم عمل وأداء شركات التأمين بشكل موضوعي ومناسب، وحينها نعرف أن تداعيات الأزمة العالمية ليست شماعة تعلق عليها شركات التأمين أخطاءها المهنية والنظامية.