رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حتى خطط التحفيز تنطوي على مخاطر

تتجه أنظار العالم إلى قمة قادة دول مجموعة العشرين التي تبدأ أعمالها في لندن اليوم مع استمرار مؤشرات تراجع أداء الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات البطالة وتراجع معدلات التبادل التجاري وتهديدات حقيقية بقلاقل سياسية في دول عديدة. ورغم أن الإدارة الأمريكية السابقة دعت وهي مكرهة لأول اجتماع لدول مجموعة العشرين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إلا أنه الآن، وفي ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، فإن هناك قناعة أكبر على مستوى العالم بأن حل الأزمة وإصلاح النظام المالي العالمي لن يكون ممكناً دون مشاركة فاعلة من قبل الدول الناشئة والنامية الرئيسية في العالم كالصين والهند والبرازيل، وهي الدول التي يتوقع أن يكون لها دور متعاظم في الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة.
ورغم أهمية هذا الاجتماع وحساسية القضايا المطروحة عليه التي من أبرزها اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق استقرار الأسواق المالية العالمية وتمكين القطاع العائلي وقطاع الأعمال من تجاوز تداعيات الانكماش الاقتصادي الحالي، وإصلاح وتقوية النظام المالي والاقتصادي العالميين بما يسمح باستعادة الثقة والمصداقية، ومحاولة وضع الاقتصاد العالمي من جديد في طريق النمو المستدام، إلا أن هناك ثلاث قضايا شائكة يجب أن تتعامل معها القمة بكل شفافية ووضوح:
أولها: الخلاف الأوروبي الأمريكي حول أولويات المرحلة الحالية، حيث يرى الأمريكيون ضرورة قيام الدول الأخرى بتبني خطط تحفيز مشابهة للخطط الأمريكية، بينما يصر الأوروبيون على الانتظار والتأكد أولاً من مستوى النجاح الذي تحقق من إجراءات التحفيز التي اتخذت سابقا قبل اتخاذ أي إجراءات إضافية، كما يصر الأوروبيون على أن يكون التركيز والاهتمام في هذه القمة منصبا على إعادة صياغة النظام المالي العالمي ووضع التشريعات التي تحد من التجاوزات التي تسببت في هذه الأزمة. هذا الخلاف يُظهر أن الولايات المتحدة تود أن يتجاوز العالم هذه الأزمة بحد أدنى من التغيير في النظام المالي العالمي وبالتالي لا تتعرض هيمنتها عليه لأي قيود أو تحجيم، ومن المؤكد أن أي إصلاح للنظام المالي العالمي يلزم أن يكون مدعوما من الولايات المتحدة لكي ينجح ويحقق أهدافه، كما أن عدم التوصل إلى قواعد وتشريعات عالمية جديدة متجانسة يترتب عليه اتخاذ كل دولة تشريعات أحادية فلا يكون هناك تناغم في التشريعات المالية العالمية ما يؤثر سلباً في تدفق الاستثمارات والتجارة عالميا.
ثانيها: أن هناك مؤشرات واضحة على عودة الحمائية التجارية من خلال وضع عوائق أمام التجارة العالمية، حيث أشار تقرير صادر عن البنك الدولي قبل أيام أن 17 دولة من مجموعة العشرين اتخذت 47 إجراء حمائياً منذ اجتماع دول مجموعة العشرين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ولتسهيل عملية تمرير خطط التحفيز اضطرت بعض الحكومات إلى التعهد بقصر الاستفادة من برامج الدعم المقرة على منشآتها الوطنية، كاشتراط خطة التحفيز الأمريكية شراء المنتجات الأمريكية، وربط الرئيس ساركوزي حصول صناعة السيارات الفرنسية على دعم حكومي بقيامها بإغلاق مصانعها في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وإعادة فتح مصانعها في فرنسا. وحيث أن منظمة التجارة العالمية تتوقع تراجع التجارة العالمية هذا العام بنسبة 9 في المائة، وهي أكبر نسبة انخفاض في التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن اتخاذ دول مجموعة العشرين إجراءات إضافية تعوق تدفق التجارة تحت أي مسمى كان، كعدم سلامة المنتج المستورد أو عدم التزام الدولة المصدرة لاشتراطات بيئية معينة أو بحجة مكافحة الإغراق أو غير ذلك من مبررات، يمثل نكوصاً عن التعهدات التي قطعها قادة دول العشرين في اجتماعهم الماضي بعدم اللجوء إلى الحمائية التجارية وإعاقة تدفق التجارة العالمية، وسيتسبب دون شك في مفاقمة مشكلة الانكماش الاقتصادي عالميا.
ثالثها: أن الإجراءات المالية والنقدية التي اتخذتها الحكومات لتحفيز الاقتصاد وخاصة في الولايات المتحدة تحمل مخاطر كبيرة على الاقتصاد العالمي، حيث إن هناك تجاهلا متعمدا لتلك المخاطر بصورة تذكرنا بالخطأ نفسه الذي ارتكبته المؤسسات المالية الخاصة في الولايات المتحدة عندما تجاهلت مخاطر عملياتها المالية وقصرت اهتمامها على تحقيق أقصى أرباح ممكنة في المدى القصير. فمن الواضح أن الأمريكيين لا يعيرون أي اهتمام يكون كافيا للنتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على هذا الارتفاع العائل في الدين العام وعجز الميزانية والضخ اللامحدود للدولار في أسواق النقد، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار حاد في سعر صرف الدولار، وفي ظل اعتماده كعملة احتياط من قبل معظم دول العالم، فإن ذلك ينذر بارتفاع هائل في معدلات التضخم وفوضى مالية عالمية لا حدود لها.
لكل ذلك فإن التوقعات من هذا الاجتماع قد تكون أكبر بكثير مما يمكن تحقيقه فعلا، وإصلاح النظام المالي العالمي قد لا يكون مكانه قمة على مستوى قادة دول مجموعة العشرين مدته لا تتعدى عدة ساعات، وإنما على مستوى أقل يجمع المختصين والفنيين في اجتماعات مكثفة مطولة تستهدف الوصول إلى صياغة جديدة للنظام المالي العالمي، واجتماع بريتون وودز في عام 1944 الذي صيغ خلاله النظام المالي العالمي الحالي شارك فيه 730 مندوباً من 44 دولة واستمرت مناقشته 22 يوماً بشكل متواصل، وقد يكون العالم الآن بحاجة إلى إجراء مماثل للوصول إلى نظام مالي عالمي جديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي