رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مقترحات قد تساعد وزارة الصحة على حل مشكلات التقدم وتقليل آثار الترهل

ناقشت في مقال الأسبوع الماضي ما أقدمت عليه وزارة الصحة من حصر أعداد موظفيها الإداريين العاملين في القطاعات الصحية المختلفة بهدف التخلص من الترهل الوظيفي الذي تعانيه. وقمت بعرض تجربة شركة "جنرال إلكتريك" في معالجة الترهل للاستفادة منها. حيث قام قائدها "جاك ويلش" بتصفية الموظفين الكسالى الذين يعيقون حركة التقدم ثم عرج على القياديين وفقا لمعيار (الأداء في العمل والولاء للشركة). وقد خلصنا إلى أنه لا يُنصح باستنساخ هذه التجربة بحذافيرها بل بتكييفها وتهذيبها لأن هناك اختلافات جوهرية بين المؤسستين في عدد من الجوانب التنظيمية والقانونية والثقافية. وفي هذا المقال نريد أن نقدم تجربة أخرى قد تفيد متخذي القرار في وزارة الصحة على حل مشكلات التقدم.
في البداية يجب تشخيص الداء للتأكد من معاناة الوزارة بالفعل من الترهل فإن كان الأمر كذلك فأفضل الحلول يتمثل في تسريح الموظفين الذين يعيقون التقدم لأن هذه حالة مرضية تصيب المنظمات في مرحلة الشيخوخة وهذا أشبه بالمرض الذي يصيب بعض أعضاء جسم الإنسان في مرحلة عمرية متقدمة. ولا نريد أن ندخل في مناقشة أدبيات هذا الموضوع وما أعراض الترهل الإداري وما مسبباته لأنه سيقودنا إلى مصطلحات إدارية متشابهة ومتشابكة كـ "البيروقراطية" التي يرى البعض أنها هي التي أفرزت هذا المرض، كما يتطلب الأمر تعريف مزيج "الثقافات التنظيمية" وما الفرق بينها وبين ما يسمى بـ "الحضارات الطائفية". وهذه المصطلحات تختلف وتتشابه في عدة أمور تحتاج إلى عمق ومناقشة مستفيضة قد نتطرق إليها في مناسبات مقبلة ـ بإذن الله ـ.
نعود لموضوع وزارة الصحة ونقول إن نقل مجموعة من الموظفين من قطاع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى داخل الوزارة نفسها لن يحل المشكلة فهذا أشبه بنقل كتلة بحجم معين من مكان إلى آخر داخل جسم واحد فسيظل الجسم يحمل الوزن نفسه دون زيادة أو نقصان، فالهدف الأساس من معالجة الترهل جعل المنظمة خفيفة ورشيقة حتى تتمكن من السير بسرعة عالية.
والعلاج المناسب في رأيي يتمثل في حصر الموظفين غير الأكفاء والتخلص منهم إما بالتقاعد المبكر أو بنقلهم إلى جهات أخرى خارج الوزارة تستطيع ترويضهم والإفادة منهم. وهنا سنعرض تجربة هيئة تنمية الصادرات في البرازيل وهي منظمة حكومية تعمل في دولة نامية يتمتع فيها الموظف بالحصانة من التسريح والفصل.
عندما واجهت هيئة تنمية الصادرات في البرازيل مرض الترهل، وهي تعلم أن الحل يتمثل في تسريح من يعوق عملية التقدم، قامت بالتعاقد مع شركة أوكلت إليها مباشرة جميع الأعباء الإجرائية والإدارية لمدة خمس سنوات، وكان من بنود العقد أن تستقطب نسبة كبيرة من موظفي الهيئة وبأجور عالية. وبالفعل استقطبت الشركة الموظفين الأكفاء وغير الأكفاء من داخل الهيئة ومن خارجها بشرط تقديم استقالتهم من الحكومة كي تصبح الهيئة غير ملزمة بعودتهم للعمل الحكومي. وبعد مرور خمس سنوات طلبت الهيئة من الشركة تقييم أداء الكفاية للموظفين كي تختار ما يناسبها حسب سيرة الموظف وتاريخه معها وحسب تقييم الشركة له.
وبناء على ذلك، قررت الهيئة أن من كان أداؤه متميزا في عمله السابق في الهيئة وفي عمله مع الشركة فيمكنه العودة للعمل كموظف حكومي، ومن كان أداؤه ضعيفا في الهيئة ومتميزا في الشركة فيمكن من العمل الحكومي شريطة أن يكون تحت التجربة لمدة سنتين، ومن كان أداؤه ضعيفا في الحالتين فليس له حظ في الوظيفة الحكومية. ورغم أن الهيئة لم تتخلص كليا من الترهل الوظيفي إلا أنها وصلت إلى مرحلة مقبولة من الخفة والرشاقة بهذه الحلية الماكرة على الأنظمة الحكومية العتيقة. والعجيب في الأمر أن الموظفين الذين كان أداؤهم متواضعا إبان الوظيفة الحكومية أصبحوا من الكفاءات العالية عندما أتيحت لهم الفرصة للعمل في القطاع الخاص، وهنا نستشف أن الخلل لم يكن في سلوك موظفي القطاع العام بل في المناخ التنظيمي للهيئات الحكومية. من هذه التجربة ومن غيرها يتعين على الجهات التي تمر بمثل هذه الأزمات أن لا تجلس مكتوفة الأيدي تتباكي على حالها وعليها أن تبتكر مثل هذه الحلول وتتبنى مثل هذه الأفكار بكل جرأة.
وأعود وأكرر أن ما قامت به جنرال إلكتريك وهي شركة في دولة متقدمة وما قامت به هيئة تنمية الصادرات في البرازيل وهي جهة حكومية في دولة نامية، إنما هي ممارسات لمنشآت مختلفة وفي بيئات تنظيمية متباينة تختلف عن بيئاتنا في مجالات عدة إلا أنه يمكن الاستفادة منها بعد تكييفها وتطويعها.
وكنت أود أن أذيل مقالي هذا بمناقشة الجانب الآخر من إعاقة التقدم وهو الجانب القيادي وما أقدمت عليه وزارة الصحة من تدمير مواردها البشرية، حينما أوكلت إدارات الشؤون الصحية والمستشفيات للكفاءات البارزة من الأطباء والصيادلة ظنا منها أن الطبيب المتميز يمكن أن يكون قائدا متميزا إلا أن هذا موضوع شائك يحتاج إلى تفصيل والمساحة المخصصة أوقفتني عند هذا الحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي