دورنا في مجموعة العشرين
لا يختلف اثنان على أن وجود المملكة في مجموعة العشرين يشكل علامة فارقة في مسيرة دولة تعد في عمر الشعوب قصيرة جداً. بطبيعة الحال مسببات الانضمام للمجموعة قائمة على أسس أهمية الدولة اقتصادياً للاقتصاد العالمي. فحسب بيانات مجموعة العشرين تمثل اقتصاديات دول المجموعة مجتمعة نحو ثلثي سكان الكرة الأرضية وأكثر من 85 في المائة من التجارة العالمية ونحو 80 في المائة من الناتج المحلي لدول العالم.
ولكن أيضا علينا أن نعرف أن هناك معايير غير اقتصادية تؤخذ في الاعتبار في مدى مشاركة الدول في تلك المجموعة! فهناك العنصر السياسي، ومدى مساهمة الدول في الاستقرار المالي العالمي. وعلينا ألا ننسى أن مجموعة العشرين منبثقة من مجموعة الثمانية أو السبعة بهدف توسيع قدرة الدول العظمي على تحقيق الأهداف العامة بشكل سلس يمر عبر استقطاب الدول المؤثرة اقتصاديا! وهي بدأت كمنتدى للنقاش والتشاور وانتهت اليوم كصانعة للقرار الاقتصادي.
مقال اليوم ليس عن المجموعة وتفاصيل تأسيسها وعملها، فهناك مصادر كثيرة عن عمل المجموعة. لكن المهم هو ما يحدث على أرض الواقع مع تبعات الأزمة المالية وكذلك مع التغيرات السياسية التي تحدث اليوم على أرض الواقع. إن العناوين الرئيسة للاجتماعات هي التعاون بين الدول لتحقيق هدف استقرار النظام المالي العالمي وتطوير وحل مشكلات وتبعات الأزمة وتطويقها قبل تطورها إلى مستويات أكثر سوءاً، وإعادة هيكلة المؤسسات الدولية، وإعادة تنظيم عمل القطاع المالي، وأخيرا مساعدة الدول الفقيرة.
الحقيقة في اجتماعات مجموعة العشرين أن هناك عمليا مجموعتين في هذه القمة، كل منهما لها أجندتها الخاصة وتسعى إلى تحقيق أهدافها. المجموعة الأولى تتكون من فريقين. الفريق الأول يمثله الولايات المتحدة الأمريكية وإلى حد ما تساندها بريطانيا، وتمثل بريطانيا في هذه الحالة زوجة الحمولة! لا تدري ترضي من! زوجها أم حمولتها! هل ترضي أمريكا وتحالفها الاستراتيجي معها أم أوروبا ومصيرها النهائي كدولة أوروبية؟ هذا الفريق يرى أن دعم المصارف والشركات الاستثمارية هو الحل الأول والأخير لتجاوز الأزمة المالية العالمية والحد من التدهور المستمر لاقتصادياتها واقتصاد العالم بالضرورة حسب رؤيتها فهي العالم والعالم كله يدور في فلكها! كما أن، وهذا هو بيت القصيد كما يقال، هناك لوبي قوي داخل أمريكا وإلى حد ما داخل بريطانيا يمثل مصالح المصارف الكبرى والشركات الاستثمارية وإلى حد ما شركات التصنيف العالمية، في سبيل دعم هذا التوجه "الأمريكي- بريطاني". وقد اجتمع مسؤولو خمسة مصارف كبرى مع الرئيس أوباما قبل أيام، ولم يعلن أي تفاصيل لهذا الاجتماع! كما اجتمعوا مع رئيس وزراء بريطانيا أيضا للتوجه نفسه!
أما الفريق الثاني داخل المجموعة الأولى فتمثله أوروبا بالمجمل، وألمانيا وفرنسا تحديداً، حيث إن لديهم رؤية مختلفة في ضرورة التركيز على إعادة تنظم وتشريع القطاع المالي قبل دعمه. لكن العامل المشترك بين الفريقين والذي يشكلهم كمجموعة أولى أنهم هم المسيطرون على الاقتصاد العالمي، حيث يمثلون المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية ووضعوا تنظيم النظام المالي العالمي الحالي. وبالتأكيد لا يرغبوا في التخلي عن الامتيازات التي يتمتعون بها. وعلى رأسها إدارة وتوجيه صندوق النقد الولي والبنك الدولي حسب أهداف تلك المجموعة سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً وثقافياً، ولطالما ربطت تلك المؤسسات دعمها بتغيرات ثقافية واجتماعية لكثير من الدول النامية حسب وجه النظر الغربية! وإن كان هناك محاولات للموازنة بين المصالح المشتركة بين الفريقين المتمثل في التهديد القادم من الخارج، والتنافس البعيد المدى بينهم! لذلك نجد أصوات تقول أن على بريطانيا اتخاذ قرارات مهمة في أي اتجاه تريد الذهاب وبالذات في موضوع الانضمام للعملة الأوروبية وللعمل الأوروبي بشكل حقيقي.
أما المجموعة الثانية وتشكل مجموعة الدول الأخرى وعلى رأسها الصين وروسيا، فتمثل نحو ثلاث فرق مختلفة وقد تكون أكثر دون وجود تجانس يذكر، إلا أنها تريد أن تكون جزءا من الكل على الرغم من اختلاف مكونات تلك الاقتصاديات، وتباين مواقفها أو عدم وضوحها. الفريق الأول في تلك المجموعة متمثل في الصين وروسيا وإلى حد ما البرازيل وبعض الدول الداعمة لهذه التوجهات ضمناً وإن لم تصرح بها! وهو فريق أعلن أن لدية مطالب ومقترحات واضحة في سياق إصلاح النظام المالي العالمي وكذلك الآلية التي يعمل بها فالصين رسمياً اقترحت عملة بديلة للدولار كعملة تسعير دولية، فيما روسيا وهي تساند المطلب الصيني أيضا اقترحت آلية للمحافظة على أسعار النفط وطريقة التصدير للدول المتقدمة من خلال تصدير ما يحتاج إليه الاستهلاك العالمي فقط، وتخرين الباقي من الإنتاج في الدول المنتجة وليس في الدول المستهلكة. والبرازيل ترى ضرورة المحافظة على فتح الأسواق وترفض الحمائية التي تقودها اليوم الدول التي كانت تسوق للعولمة وعلى رأسها أمريكا. وكان أول القرارات الأمريكية بعد قدوم الإدارة الجديدة توقيع مذكرة تفاهم مع كندا وكانت إحدى أهم النقاط فيها تفضيل "السلع الأمريكية" في السوق الكندي والعكس صحيح، وهو تناقض صريح وواضح مع أنظمة منظمة التجارة العالمية.
الفريق الثاني تمثله الدول التي بدأت تشكل ثقلا اقتصاديا متزايدا ولها طموحات سياسية أيضاً، وإن كانت أقل من الصين وروسيا مثل الهند وجنوب إفريقيا وتركيا والهند والمكسيك وإندونيسيا، ولكنها غير واضحة كثيراً في طرح أفكارها، وقد لا تكون في هذه المرحلة راغبة في التحزب لأي مجموعة أو فريق حتى تتضح معالم طريق للنظام العالمي المالي والسياسي الجديد. لكن لها مشاركة في فرق العمل ولديها متخصصون يعملون في عديد من المنظمات الدولية على المستويات كافة.
أما الفريق الثالث والأخير ضمن المجموعة الثانية فهي الدول الحديثة العضوية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. بالتأكيد أن وجود المملكة في عضوية مجموعة العشرين لم يأت مجاملة أو من فراغ، وإنما للسياسة التي انتهجتها المملكة منذ السبعينيات في تطوير اقتصادها وفي الدور الدولي لها من خلال المشاركة الفاعلة في المنظمات الدولية على الأصعدة كافة. ولكن وفي ظل عدم توافر بيانات عن دور المملكة في المجموعة كعضو، ومدى فاعلية هذا الدور يصعب الحكم على مدى استفادة المملكة من هذه العضوية ابتداء. ثانياً، علينا أن ندرك أن هناك تطاحنا حادا في هذه الفترة بين اللاعبين القدامى والجدد، وهناك مصالح تتغير اليوم بشكل واضح نحو مصير مختلف لم تتضح معالمه بشكل نهائي ولن تتضح إلا بعد مرور وقت طويل. وبالتالي إدارة المصالح الحالية تتطلب مهارة عالية في عدم التحزب العالمي اليوم لأي من الفرق المختلفة، وتتطلب أن يكون لدينا أجندة مستقلة لحماية مصالحنا الداخلية، وتتطلب حنكة في التعامل مع الضغوطات الدولية لمشاركة المملكة في المساعدة وإعادة هيكلة النظام المالي العالمي وتتطلب توافر الكفاءات البشرية السعودية القادرة على المشاركة على المستويات كافة في أعمال المنظمات الدولية وبالذات على المستوى الفني والمشاركة في التغيير على هذا المستوى، التي تعد أهم من المشاركة على مستويات العلياً بحيث نكون صانعي التوجه بشكل مهني وليس على مستوى سياسي، الذي قد يتطلب صدمات نحن غير مستعدين لها. ينبغي أن ندرك أن الاجتماع بحد ذاته ليس مهماً ، لكن المهم مجموعات العمل التي شكلت بعد قمة واشنطن وكذلك مجموعات الضغط العالمية (أصحاب المصالح)، التي علينا أن نعرف كيف تعمل؟ ولمن تعمل؟
إحدى أهم النقاط التي تثير حالة من الاستغراب وتعطي صورة ضبابية عنا، هي أن المملكة وبرغم أنها الدولة الوحيدة بالعالم التي تعد أقل الدول تأثراً بالأزمة، وأنا أقول إننا لم نتأثر، ولكن هناك رجال أعمال وعلى المستوى الشخصي تأثروا بالأزمة نتيجة استثماراتهم الشخصية بالأزمة واندفاعهم المجنون. رغم ذلك، فنحن لم نسوق أنفسنا بالشكل المناسب والصحيح عالمياً. ولم نسوق سياساتنا المالية والنقدية التي أنقذت القطاع المصرفي تحديدا والمالي عموماً!