رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعلم عن بعد ومعادلة اقتصاد المعرفة (1 من 2)

خلال الأسبوع الماضي وبالتحديد خلال الفترة من 19 إلى 21/3/1430هـ عقدت وزارة التعليم العالي ممثلة في المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد, المؤتمر الأول للتعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد, وما من شك أن بيئة التعليم العالي يلزم لها مؤتمرات وندوات تحركها, وتنتشلها من حالة الركود الذي يؤدي إلى تكلس مؤسساتها ومن ثم نضوب المعرفة التي يفترض أن تنتجها هذه المؤسسات. ويأتي هذا المؤتمر في وقت كثرت فيه الأصوات وتعالت مطالبة بطرح موضوع التعلم عن بعد والتعليم الإلكتروني على بساط البحث والدراسة والتنظير للموضوع بهدف وضع الضوابط, والأسس السليمة التي تمكن من الدخول إلى معترك مجال التعليم عن بعد بصورة أكثر نضجاً, ووعياً به, وبكل متطلباته, وإجراءاته بدلاً من ولوجه والخوض فيه, ومن ثم الغرق في مشكلاته المترتبة عليه. لقد كان الحضور كثيفا, ما يعني الاهتمام البالغ والكبير من شرائح متعددة, خاصة من المنتمين إلى التربية والتعليم سواء العام منه أو العالي والحكومي أو الأهلي, إضافة إلى حضور من قطاع الأعمال والشركات, وهذا يعني أن موضوع المؤتمر جذاب, خاصة أنه يثير قضية أساسية في نمو المجتمعات من خلال التقنية الحديثة التي لا شك أنها أثرت في المفاهيم, وفي السلوك, وفي العلاقات بين الأفراد في الأسرة الواحدة ناهيك عن التأثير في العلاقات بين الشعوب, والأمم. حظي المؤتمر بمتخصصين من داخل المملكة وخارجها, ومن أعلام في مجال التعلم التقني, ولا أدل على الاهتمام البالغ إلا الحضور للمحاضرات التي قدمت خلال 18 جلسة رغم وجود ثلاث جلسات متزامنة في الوقت نفسه, ومع ذلك نجد حضوراً كبيراً في كل قاعة, كما أن مداخلات الحضور والأسئلة والتوق إلى معرفة مزيد عن تفاصيل أوراق العمل والبحوث في الجلسات التي حضرتها, أو تلك الجلسة التي تشرفت برئاستها يدل على أهمية الموضوع, وقيمته في نفوس الناس, خاصة أنه يلامس موضوعاً مهماً لا يمكن إغفاله أو تناسيه. إن طرح هذا الموضوع في مثل هذا الوقت يمثل تفكيراً استراتيجياً يجعلنا في المؤسسات التربوية مستعدين لمرحلة يفترض فيها أن نتفاعل مع هذا النوع من التعليم, والتعلم ألا وهو التعليم عن بعد شئنا أم أبينا. التعليم عن بعد أخذ صوراً متعددة في السابق, ومنها التعليم بالمراسلة والتعليم بالانتساب, حيث إن المتعلم لا يحتاج حضوره في حيز محدد يتلقى فيه العلم من أستاذ معين, وتتاح له فرصة المناقشة, والتفاعل الفكري, والنفسي. وهذا النوع من التعلم كان يعتمد في الأساس على جهد الطالب, وعلاقته منحصرة في الكتاب, أو الكتب المقررة للمادة عدا مناقشة قد يجريها مع من يعرف من المتخصصين في المجال إن قدر له معرفة أحد منهم. لكن المآخذ على هذا التعليم كثيرة, ولم تكن مخرجاته بتلك الجودة التي تؤهل للقيام بوظائف أكاديمية أو مهنية على مستوى عالٍ من الكفاءة, بل إن الشهادة التي يحصل عليها البعض من خلال هذا النمط من التعليم كانت محل شك ورفض, وأذكر في هذا الصدد أن وزارة التعليم العالي كلفتني مع بعض الزملاء في الجامعة عام 1418هـ بدراسة واقع الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة, التي تأخذ بسياسة التعلم عن بعد, وذلك بزيارتها, والالتقاء بمسؤوليها, والتعرف على إمكاناتها, وقد كتب تقرير بشأن تجربة الجامعة المفتوحة تضمن الملاحظات الإيجابية والسلبية, التي كان أبرزها اعتماد الجامعة على الجزء الورقي لإمداد الطلاب والمتدربين بالمادة العلمية, كما لاحظنا تحفظ مسؤولي الجامعة, وعدم رغبتهم في الإطلاع على إمكانات الجامعة المتواضعة, ولعل القارئ الكريم يدرك السياق التاريخي, حيث مضى على هذه الزيارة أكثر من 13 عاماً, ولم تكن التقنية على ما هي عليه من ثورة في مجال اختراق الحواجز, وتوظيف كل ذلك في مجال التعليم. الجانب المهاري وتقويم مستويات الطلاب كانت من ضمن المشكلات التي صرح بها مسؤولو الجامعة المفتوحة حيث كانوا يوكلون عمليات التدريب إلى جهات متخصصة حيث يتدرب الطلاب في المستشفيات إن كانوا من ذوي التخصصات الطبية كالتمريض, والصيدلة, أو الشركات, والمصانع حسب التخصصات, أما عملية التقويم فلم تكن بذلك الضبط الذي يفترض كي تتحقق الجودة المرجوة. حضوري المؤتمر وسماعي إلى متخصصين لهم باع في مجال التعلم عن بعد, والتعليم الإلكتروني وقراءتي بعض أوراق العمل يؤكدان ضرورة الاستعداد من خلال إيجاد البنية التحتية لهذا النوع من التعلم عن بعد خاصة المجال التنظيمي الذي يوفر القواعد والأسس والإجراءات وفق أنظمة وقوانين تضمن جودة التعليم والمخرجات المترتبة عليها. ولعل مصطلح إدارة وأنظمة التعلم والمعروف بـ LMS, وهي أنظمة حاسوبية لإدارة ومتابعة وتقييم التدريب والتعلم عن بعد, يمثل خطوة نحو الأمام يمكن من استخدام التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد, وبما يكفل الكفاءة والجودة العالية لدى المتعلمين والمتدربين, لكن هذا النظام يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة حتى نتمكن من وضعه بالشكل الذي لا يخل بالمخرجات, ومن ثم يضعف ما تقدمه مؤسسات التعليم العالي لسوق العمل. لا شك أن التعليم الإلكتروني والشبكة العنكبوتية الإنترنت سهلت ويسرت ووفرت ما لم يكن يدور بخلد أحد توافرها, خاصة إذا علمنا الآلية التي كانت يتم بها نقل المعلومات والمعارف عبر الوسائط القديمة من خلال ترحيل الكتب بالطائرات أو السفن أو السيارات وقبلها عبر الدواب. كم من المواقع, وكم من الكتب, وكم من المجلات, والبحوث, ورسائل الماجستير, والدكتوراة أصبحت متاحة لطالبي المعرفة بمجرد ضغط أزرار بسيطة, إن العصر الذي نعيشه يمثل نقلة يصعب على البعض استيعابها, لكن هذا هو الواقع, وما ينتظرنا في المستقبل أكبر بكبير من ما نراه ونتوقعه, فهل نعمل على تهيئة أنفسنا, وتسليحها بالثقة أولاً, وبالرغبة ثانياً في أن نتحول من مستهلكي المعرفة إلى منتجيها ومصدريها لننتقل بمجتمعنا إلى اقتصاد المعرفة, إضافة إلى اقتصاد الطاقة. إن استثمارنا هذه التقنية بإتقان سيزيد من المؤهلين القادرين على خدمة سوق العمل وتنشيط الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي