رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


.. ويستمر مسلسل التحايل في سوقنا المالية

ليس هناك أدنى شك في أن معظم إن لم يكن جميع الشركات التي أدرجت بعلاوات إصدار في السوق المالية السعودية خلال العامين أو الثلاثة الماضية، كانت هناك مبالغة حادة في تقييمها بهدف تمرير علاوات إصدار متضخمة تحقق مكاسب هائلة لملاكها، بحيث إن بعضهم حقق من طرح 30 في المائة من أسهم شركته عدة أضعاف قيمتها الحقيقية، وكل ذلك تم بمباركة هيئة السوق المالية وأمام ناظريها. وفي البداية كان ذلك يتم بسبب عدم اتخاذ الهيئة أي إجراء يضمن أن يكون هناك تقييم محايد دقيق لحقيقة الأداء المالي للشركات الراغبة في الإدراج، وهو أمر كان ضرورياً جدا باعتبار أن المستشار المالي للاكتتاب مكلف من قبل الشركة ومستوى أدائه بالنسبة لملاكها يعتمد على مقدار ما يحقق لهم من أرباح من عملية الطرح، أي بعلاوة الإصدار التي يستطيع تمريرها.
هيئة السوق المالية وأمام الانتقادات الواسعة لها بسبب عجزها عن اتخاذ ما يلزم لضمان عدم المبالغة في علاوات الإصدار لجأت إلى الهروب من المشكلة بدلاً من حلها وذلك بتطبيق طريقة لا تناسب سوقنا المالية وهي طريقة بناء الأوامر، فهذه الطريقة، وإن كانت تحقق تقييما عادلا لعلاوات الإصدار في الأسواق المالية عالية الكفاءة، أي الأسواق التي تكون فيها القيمة السوقية للأوراق المالية قريبة جدا من قيمتها الاستثمارية الحقيقية، فإنه لا تناسب على الإطلاق سوقا يفتقر إلى الحد الأدنى من الكفاءة كسوقنا المالية، فهو سوق يعتمد فيه تقييم الأوراق المالية على عدد أسهم الشركة وبالتالي قدرة المضاربين والمتلاعبين على التأثير في سعر السهم أكثر من اعتماده على حقيقة الأداء المالي للشركة. بالتالي لم تحل طريقة بناء الأوامر مشكلة تضخم علاوات الإصدار، بل الذي حدث العكس، وأصبحت مهمة المتلاعبين والمحتالين أكثر سهولة، فكل ما يحتاج إليه المستشار المالي المتحايل هو عدد من الصناديق التي تعتقد أنها تستطيع بيع ما يخصص لها من أسهم في اليوم الأول من التداول بسعر يزيد على سعر الاكتتاب وهي غير مهتمة ولا معنية بتاتاً بعدالة علاوة الإصدار. ورغم الفشل الواضح والذريع لهذه الطريقة إلا أن هيئة السوق واصلت العمل بها بل حتى صمت أذنها عن سماع أي اقتراح يحد من تأثيرها السلبي في السوق، كمنع صناديق الاستثمار المشاركة في عملية تقييم علاوة الإصدار من بيع الأسهم المخصصة لها قبل ستة أشهر من بدء التداول وتحميل مستشار الاكتتاب كامل المسؤولية القانونية أمام المستثمرين عن أي مبالغة في تقييم أداء الشركة ما يسمح بملاحقته قانونياً من قبل المتضررين عن كل ما يلحق بهم من خسائر.
ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان أهون، لكن الهيئة واصلت تسهيلها مهمة المتلاعبين حتى بعد طرح تلك الشركات للتداول، وذلك من خلال سماحها للشركات المطروحة بعلاوة إصدار متضخمة جدا بالقيام مباشرة، وبعد أشهر فقط من طرحها للتداول، برفع رأسمالها من خلال رسملة أرباحها التي ادعت أنها حققتها بدلاً من توزيعها على حملة أسهمها كأرباح نقدية، وهي الشركات نفسها التي كانت قد قامت برفع رأس مالها عدة أضعاف قبل أشهر فقط من طرحها للاكتتاب، بهدف تضخيم عدد الأسهم المطروحة، ما يمكن ملاكها من الحصول على مبالغ كبيرة من علاوات الإصدار حتى ولو لم تكن علاوة الإصدار على السهم الواحد كبيرة. فهذه الشركات، حتى تتجنب كشف حقيقة أدائها المالي وحجم أرباحها الفعلية التي حققتها خلال السنة التي تم طرحها فيها، وتفاديا لما يترتب على أرباحها المضخمة من توزيعات نقدية لا تستطيع القيام بها، تلجأ مرة أخرى إلى التحايل فتتقدم لهيئة السوق المالية بطلب رفع رأس مالها من خلال تحويل تلك الأرباح الوهمية إلى أسهم، فهي لا تمتلك سيولة تمكنها من توزيع أرباح نقدية، أما رسملة تلك الأرباح الوهمية فعملية شكلية غير حقيقية تستخدمها لتبرير توزيعها أرباحا نقدية هزيلة تتناسب مع أرباحها الحقيقية لكن لا تتناسب مطلقا مع أرباحها الهائلة التي كانت تدعي تحقيقها عند طرحها للاكتتاب. والغريب أن هذه المسرحية الهزلية تتكرر مع كل شركة يعلم الجميع أنها طرحت بعلاوة إصدار متضخمة، حيث تقوم الهيئة بصفة آلية بالموافقة على هذا الإجراء التحايلي، كما لو أن الهيئة لا ترغب في فضح الشركة وبالتالي انكشاف تقصير الهيئة وعدم قيامها بواجبها نحو حماية المتعاملين في السوق كونها سهلت وتغاضت عن طرح شركات هزيلة الأداء بعلاوات إصدار متضخمة جدا، ما ألحق بالغ الضرر بالسوق وافقده مصداقيته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي