العميل المزعج وشركات التأمين
التأمين ممارسة اقتصادية سليمة إذا ما كان الهدف منه تحقيق منفعة للطرفين وهما العميل وشركة التأمين، بل وفي كثير من الأحيان فإن هذه المنفعة تتجاوزهما لأشخاص آخرين لم يكونوا طرفاً في عقد التأمين.
وبالنسبة لشركة التأمين فإن تفويت الفرصة في كسب عميل ليس هو بالأمر الهين عليها، لكن في المقابل فإن التخلص من العملاء (المزعجين) هي سياسة دأبت عليها شركات التأمين العالمية، فهي تريد عملاء من النوع الذي لا يكون معدل الخطر لديه مرتفعا وتحرص كذلك على أن يكون لديه حس مرهف تجاه عوامل حصول الخطر، فالعميل غير المزعج في العرف التأميني يُعد صيدا ثميناً لشركات التأمين وتتهافت شركات التأمين على إبرام وثيقة التأمين معه دون تردد.
ويمكن القول إن العميل المزعج في عرف الشركات لدينا هو ذلك العميل الذي يلح في طلب (حقوقه) ويجادل فيها وفي نطاقها بينما العميل (المزعج) في عرف الشركات المهنية في الخارج هو ذلك العميل الذي يطالب بأكثر من حقه ويجتهد في تقديم المستندات ليحصل على أعلى قدر ممكن من التعويض حتى وإن لم يكن له حق في ذلك.
وفيما يتعلق بالشركات العاملة في المملكة فيمكن القول إن الغالبية منها لا يتسم عملها بالمهنية أو اعتماد برامج يتم بموجبها معرفة العميل سلفاً ومعرفة لأي من هاتين الفئتين ينتمي حتى تقوم باحتساب القسط معه بشكل عادل، فما تحرص عليه الشركة هو جمع أكبر عدد ممكن من العملاء، وهي لا تقلق في الوقت نفسه من التنصل من التزاماتها متى ما تطلب الأمر ذلك، فهي لديها من الوسائل والإجراءات ما هو كفيل بإخراج هذا العميل أو ذاك من قائمة العملاء لديها متى ما لزم الأمر.
فالعميل (المزعج) في عرف هذه الشركات يتم التخلص منه في الغالب دون تردد وتضع الشركة عليه من الشروط والاستثناءات ما هو كفيل بـ "تطفيشه" وإحكام الرقابة عليه، بل والنظر إلى أي مطالبة يتقدم بها بمنظار الريبة والشك حتى يمل في النهاية ويبحث عن شركة أخرى.
المشكلة الأخرى هي أن غالبية شركات التأمين في المملكة لا تضع تفرقة فنية ومهنية لفئات العملاء وإنما تترك الأمر (لواقع الحال) وفي كثير من الأحيان تظلم بقية عملائها لمجرد أن (عميلا ما) ارتكب مخالفة من مخالفات التأمين، مع العلم أن أي شركة مهنية تريد أن تتميز في عملها ويحترمها عملاؤها لابد أن تضع لها قاعدة عادلة لدراسة الخطر المراد التأمين عليه ومن ثم تقوم باحتساب الخطر لكل فئة من فئات العملاء، بحيث لا تأخذ أكثر من حقها.
عموماً فالتأمين في المملكة تحكمه الارتجالية وعدم المهنية، فشركات التأمين تتعامل مع وثائق التأمين وكأنها سندات مالية تبيعها للوسيط والذي بدوره يبيعها لوسيط (من الباطن) وهذا الأخير يبيعها لوسيط آخر وهلم جرا، فالغاية هي "اصطياد" أكبر عدد ممكن من العملاء بغض النظر عن نوعية العميل والاعتبارات الخاصة به. ولا يُستغرب إن كان من يبيع الوثيقة في النهاية هو عامل في معرض سيارات أو حتى قهوجي في مؤسسة وغير ذلك.
وإذا ـ قدر الله ـ وحدثت مطالبة من أي من هؤلاء العملاء فإن شركة التأمين تبدأ بتمحيص أوراقهم وتطالبهم باتباع سلسلة من الإجراءات والطلبات بـ "التعجيزية"، والسؤال الطبيعي والمنطقي الذي يتبادر إلى ذهن العميل المغلوب على أمره، هو أين هذا الحرص في طلب المستندات والأوراق وجمع المعلومات في السابق أي قبل أن يتم إبرام الوثيقة؟