عاصفة الغبار: هل كان يمكن تقليل الأضرار؟!
عاصفة الغبار التي هاجمت أجواء المملكة، وشهدناها على حقيقتها في منطقة الرياض، لم تشهدها المنطقة من قبل، رغم ما يقوله بعض إخواننا المتخصصين في علم الفلك، من أن هذا الفصل من السنة يشهد عادة عواصف ترابية، ومثل هذا القول يأتي من باب تعليل ما حصل بعد وقوعه، أما قبل وقوعه فما من أحد أوحى له دوره الرسمي، كرئاسة الأرصاد وحماية البيئة، والدفاع المدني، ووكالة الأنباء، ووزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، أو حتى المتنبئون، أن ينبه الناس عبر وسيلة إعلامية تصل إليهم, بما سيحدث، وبأن العاصفة ستكون بهذا الشكل المريع، الذي يشبه الطوفان، وعلى من لم يشهدها أن يرجع إلى مواقع الإنترنت!...، لكن يبدو أن عيشنا في الصحراء، وتعودنا على ابتلاع الغبار، وتعايشنا معه، خفضت من الأضرار، وإن ظلت جسيمة!...، لأنه لو حدث ذلك في بلد آخر لأعلنت حالة الطوارئ!...
وهذه الحادثة أعادت لنا ذكرى ما كان يجري، في كل مرة، تحصل فيها أزمات، أو حوادث غير عادية، من محاولة كل جهة مسؤولة الخروج من الأزمة وتمريرها، فها هي رئاسة الأرصاد وحماية البيئة تحاول إزاحة تهمة التقصير بقولها إنها نبّهت المرور، والدفاع المدني، وحرس الحدود من (تقلبات) الجو قبل أربعة أيام من حدوثها، وإنها تقوم ببث رسائل إعلامية وتحذيرية، وتخصيص رقم مجاني هو 988 يقدم خدمة للمتصلين، وأنه كانت هناك نشرة جوية يومية في التلفزيون تم إلغاؤها، على الرغم من أهميتها، وتم الاكتفاء بتقرير موجز عن درجات الحرارة فقط، يقدمه مذيع النشرة، وأن الرئاسة دورها ينحصر في الإعلان عن الأجواء فقط، (صحيفة الرياض 14/3/1430).
ولو أردنا التعليق على ما ذكرته الرئاسة بموضوعية لقلنا إن إشعار الجهات الحكومية التي ذكرتها يأتي من جهة ما يتعلق بشؤونها، وليست مكلفة بإبلاغ الناس نيابة عن الرئاسة، أما الرسائل الإعلامية والتحذيرية التي ذكرت أنها تقوم ببثها، فلم نر أحدا يذكر أن معظم المواطنين قد تلقاها، أما الرقم 988 (غير الشهير) الذي خصصته للناس لمعرفة حالة الطقس فهو غير معروف إلا من قلة من الناس أو موظفيها!..، ولم نر أنه يعلن بصورة متكررة في التلفزيون، ولم أعلم، شخصيا، عنه إلا بعد الإشارة إليه في تعليق الرئاسة، وهو ما دفعني إلى الاتصال به عدة مرات خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت موجة الغبار، فوجدت أن الصوت عن حالة الجو مسجل، ولم يتغير، إذ في كل مرة أسمع كلمة (عوالق) رغم أن الجو كان صافيا بعد يومين من الغبار في مدينة الرياض!..، فضلا عن أن كلمة (عوالق) دون توضيح تبقى غير كافية، إذ قد تحتمل عوالق بسيطة كالتي نعيش عليها طوال العام، أو عوالق تسد الأفق، إلا إذا كانت الرئاسة تريد الخروج من المسؤولية بهذا التعبير المبهم!..، وأغرب ما لاحظته في هاتف الرئاسة أن المكالمة تسجل، وقد قصر فهمي عن إدراك سبب التسجيل طالما أن المعلومات ذاتها مسجلة!..، والأغرب منه أن يكون الرقم مشغولا في يوم الجمعة صباحا، في أكثر المرات التي اتصلت فيها!...
والأسئلة التي تنطلق، تلقائيا، حول الموضوع هي: هل إبلاغ الجهات الحكومية يكفي؟ وهل وضع رقم هاتف يكفي؟!..، وهل على المواطنين أن يتصلوا كل يوم لمعرفة حالة الجو؟!..، ولماذا تم إلغاء نشرة الأخبار الجوية اليومية في التلفزيون؟!..، وهل كان ذلك لعدم المصداقية، أم لأمر خارج عن سلطة الرئاسة؟!...، كل هذه الأسئلة، في ظني، ستظل دون إجابة كما هو الشأن عندما يطرح الكتاب رؤية موضوعية!..، أما الجهات الأخرى المتسببة فيما حدث للناس من أضرار، فتعد مخطئة إذا كانت قد أُبلغت كما تقول الرئاسة، فالمرور كان عليه أن يخرج إلى الناس ويحدد لهم من خلال وسائل الإعلام بدء انطلاق العاصفة، وخط سيرها، والطرق التي ستغمرها، وسرعتها، ومدى الرؤية خلالها، ثم إبلاغ الناس بما يجب عليهم في مثل هذه الأجواء، من توخي الحذر والسلامة، أما ترك الناس يتخبطون (ويتخابطون) فأمر يؤخذ على المتسببين، إما نظاميا أو دينيا، لتعلقه بإهمال ما يجب القيام به، أما عن الخسائر الاقتصادية فتقول صحيفة "الرياض" (المصدر نفسه) نقلا عن غرفة المرور، إن 210 حوادث مرورية سجلت في الرياض حتى أذان العصر في يوم الغبار، ولأن الإحصاءات لا تأتي كاملة، فإن بالإمكان أن العدد ضعف ذلك الرقم أو أكثر خاصة أثناء كثافة المرور، وعليه يمكن أن تكون الحوادث بالآلاف في المملكة، أهدرت بسببها ثروات، وفقدت بسببها أرواح!...
أما وزارة الصحة فكان عليها أن تخرج هي الأخرى إلى الناس وتنبههم إلى الاحتماء من العاصفة، وتدلهم على وسائل الحماية الممكنة، وأبسطها الاستكانة في البيوت، أو استخدام الكمامات البسيطة الرخيصة، التي أكاد أجزم بأن معظم الناس لا يستخدمونها بسبب قلة الوعي والتوعية، والغريب أن وزارة الصحة هي المتضرر الأول بسبب ما واجهته مراكزها الصحية ومستشفياتها من زحام عجزت عن استيعابه، وواجهت بسبب ذلك الحرج والإساءة إلى سمعتها، كما حدث في بعض المناطق، ومن ثم فإنها مسؤولة عن حماية نفسها بتلافي مثل تلك المواقف، وتوفير جزء من النفقات التي تكبدتها، إلى جانب الأضرار الصحية للمواطنين!...
أما دور وزارة التربية فيجسده ما حدث للمدارس من هروب جماعي للطلبة والمعلمين في ذلك اليوم، وهي تعلم مدى خطورة العاصفة على صحة الطلبة، رغم أنه كان بالإمكان إبقاء الطلبة في فصولهم، وإبلاغ أولياء أمورهم بالاطمئنان عليهم، حتى تنجلي الغمة، ولو أدى الأمر إلى توفير وجبة الغداء لهم، وتركهم يؤدون واجباتهم المدرسة خلال فترة الانتظار!...، أما أن تفتح الأبواب للهروب ويتعرض الطلبة إلى بعض الاختناقات، ومنهم من هو في المراحل الأولى من التعليم، أو يعانون من الأمراض الصدرية، فهو أمر يبعث على التساؤل، ويدعو إلى التوقف أمامه كثيرا!...، والغريب في الأمر أن ما حدث أدى تلقائيا إلى تغيب معظم الطلبة قسرا، وتعطيل الدراسة في معظم المدارس في اليوم التالي للعاصفة، تخوفا من مفاجأة أخرى، رغم انحسار العاصفة!...
أختم بالقول: إن ما حدث ينبغي ألا يمر دون تأمل وتقص، وتحديد للأدوار والمسؤوليات، ومعاقبة كل من يثبت تقصيره، حتى لا يتكرر ما حدث!..
والله من وراء القصد.