دروس أوروبية مجانية للخليجيين
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ربط حصول صناعة السيارات الفرنسية على دعم حكومي بقيامها بإغلاق مصانعها في جمهورية التشيك إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإعادة فتح مصانعها التي أغلقتها في فرنسا، ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون تحدث عن أن الوظائف البريطانية للبريطانيين، ورئيس وزراء بولندا حذر من أن هناك ستارا حديديا اقتصاديا يقوم بين شرق أوروبا وغربها بعدما رفضت الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي تبني خطة إنقاذ شاملة للدول المنضمة حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي في شرق أوروبا, التي تعاني اقتصاداتها بشدة جراء الأزمة المالية وفي حاجة ماسة إلى مساعدة طارئة، وهناك تلكؤ وعدم استعداد من قبل الدول الغنية في منطقة اليورو، ألمانيا وفرنسا، للقيام بدور رئيس في مساعدة دول منطقة اليورو التي تعاني بشدة آثار الأزمة المالية العالمية كاليونان وأيرلندا، وهي دول قد لا تكون قادرة على إنقاذ اقتصاداتها دون مساعدة الدول الغنية في منطقة اليورو، في ظل القيود الصارمة الذي يفرضها عليها ميثاق الاستقرار الأوروبي ما يحد من قدرتها على تبني سياسات نقدية ومالية توسعية تحد من تأثر اقتصاداتها. وهو ما أوجد قدرا من التوتر في منطقة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تحديداً، وأثار شكوكاً حول امتلاك الأوروبيين المرونة الكافية للتعامل مع هذه الأزمة، وأفقد المستثمرين بعض ثقتهم بالعملة الأوروبية الموحدة بصورة مغايرة تماماً لما كان متوقعاً، حيث كان من المفترض أن يكون الدولار الأمريكي وليس اليورو الضحية الأكبر لهذه الأزمة المالية في ظل تأثيرها الحاد جدا في النظام المالي الأمريكي.
وإن كان هناك من منطقة في العالم تملك كل مقومات وشروط نجاح عملة موحدة بين دولها فهي دون منازع منطقة الاتحاد الأوروبي، ففي أدبيات التكامل الاقتصادي هناك ما يسمى منطقة العملة المثلى Optimum currency Area، التي تعني الاشتراطات أو الظروف التي يسهم تحققها في نجاح قيام عملة موحدة بين مجموعة من الدول، كونها تضمن أن تكون مكاسب هذه الدول من العملة الموحدة أكبر من تكاليفها عليها. هذه الاشتراطات تشمل: إمكانية عالية لانتقال عناصر الإنتاج من دولة إلى أخرى داخل دول المجموعة مع إمكانية أقل لذلك بالنسبة للدول خارجها، وارتفاع نسبة تبادلها التجاري البيني من إجمالي تبادلها التجاري، وتباين وتنوع قواعدها الإنتاجية, بالتالي تعدد وتفاوت المنتجات التي ينتجها كل قطر، وأخيراً تزامن الدورات الاقتصادية التي تتعرض لها دول الاتحاد ما يضمن اتساقاً في نوعية السياسات النقدية والمالية المطلوبة في أي وقت. ومن دون شك فإن هذه الاشتراطات منطبقة بشكل كبير على دول الاتحاد الأوروبي بصورة لا تماثلها أي مجموعة اقتصادية أخرى في العالم، ما يجعلها بالتالي منطقة مثلى لقيام وحدة نقدية، إلا أن الأزمة المالية الحالية أظهرت أنها لم تكن كافية لضمان تناغم المصالح الاقتصادية لدول الاتحاد النقدي، فبدت دول الاتحاد الغنية معنية بصورة أكبر بمصالحها الوطنية الضيقة، ووجدت الدول المتضررة أن وجودها في هذا الاتحاد حد كثيراً من قدرتها على التحرك لإنقاذ اقتصاداتها.
دول مجلس التعاون الخليجي في ظل التدني الحاد في نسبة تبادلها التجاري البيني التي تقل عن 4 في المائة من إجمالي تبادلها التجاري مع العالم الخارجي، والتطابق شبه التام في قواعدها الإنتاجية, فهي جميعاً تعتمد على منتج وحيد وهو النفط الخام، وصعوبة انتقال عناصر الإنتاج من دولة إلى أخرى, خاصة اليد العاملة بحكم اعتمادها شبه الكامل على العمالة الأجنبية التي تخضع لقيود صارمة على حركتها داخل القطر الواحد ناهيك عن انتقالها من دولة إلى أخرى، هي منطقة مفتقرة تماماً إلى اشتراطات منطقة العملة المثلى، بالتالي مكاسبها الاقتصادية من اعتمادها عملة موحدة هامشية ومحدودة للغاية ولا تقارن بتكاليفها الاقتصادية التي من أبرزها حدها من قدرة دول المجلس على التعامل بفاعلية مع مشكلاتها الاقتصادية. وإن كان من يملكون كل مقومات النجاح لم ينجحوا بالمستوى المأمول أو المتوقع فإن من لا يملكون أيا من ذلك أولى بإعادة حساباتهم وإبقاء طموحاتهم في نطاق الممكن والمعقول. والتجربة الأوروبية تظهر أن إقامة وحدة نقدية دون اكتراث لمحدودية مكاسبها الاقتصادية ليست بلا ثمن، وأن هذا الثمن قد يكون في الواقع كبيراً يتجلى في عجز تشعر به بعض دول الاتحاد عن القيام بما يلزم لحماية اقتصاداتها, وعبء مالي تجد دول أخرى أنها مضطرة إلى تحمله دون مبرر.