العاصفة تكشف المستور

لعل في الأمر خيراً - إن شاء الله - حين ضربت العاصفة الرملية الشديدة الأسبوع الماضي أجواء المملكة بشكل مفاجئ للغالبية من الناس، ما جعل هذه الحادثة مثار حديث وجدل بسبب ما أثارته من مشكلات أكبر من الرمال التي كانت تحملها. فالجهة المعنية بمراقبة وتحري تغير الأجواء والطقس (الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة) تبرئ ســـاحتها أمام المجتمــــع بأنها حـــذرت من وقوع العاصفة قبل ثلاثة أيام (نقلاً عما ورد في هذه جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 14/3/1430هـ من نائب مدير التحاليل في الرئاسة) وكثير من الجهـــات الأخرى تقول خلاف ذلك وبالأخص المجتمع وليست الوزارات. وما بين شد وجذب فالأمر في حد ذاته قضى وانتهى وتابع المجتمع تطوراته وحدوثه - بفضل الله - من القنوات الفضائية الخارجية، وكأنّ الإعلام المحلي يراه حادثة إخبارية خارج حدود الوطن الحبيب!! ... ولا يهم من يلام الآن غير أنه من المندوب إليه الاستفادة من هذه الأحداث.
بكل تجرد أرى أننا لم نتغير في أسلوبنا الإداري وتسلسل التعامل مع الأزمات وتناغم المؤسسات والدوائر ذات العلاقة مع الأحداث. لقد كشفت هذه العاصفة أننا مثلما كانت ضبابية الرؤية جراء الحادثة هناك ضبابية في صنع القرار والتعاطي معه، سواء كان الأمر مفاجئاً أو حتى طبيعيا في وقوعه، إذا إن القرارات على ما يبدو إمــــا تمشي في خطوات متوازيــــة، وإما تلتقــــي في نقاط تمـــاس هامشية لا ترتقي إلى مستوى التطابق بحيث يكمل بعضها بعضا. لقد كشفت هذه العاصفة سلبيات كبيرة - والحمد لله - أنها فقط عاصفة رملية، فما بالك لا قدر الله سوءا، لو كان الأمر زلزالاً أو فيضانا أو مثل هذه الأقدار التي نرى دولا متخلفة تتعامل مع مثلها بشكل أفضل مما حصل في تجربتنا مع هذه العاصفة، خصوصا أننا نرى أنفسنا في تقدم مذهل مقارنة بتلك الدول. مدارس توقف الدراسة وآخرون باقون، أطفال ينهارون من الخوف، وكبار يقفون مذهولين، حوادث سير بالجملة، ومرضى يعانون، اجتهادات شخصية لكل دائرة وشركة ومؤسسة وصانع قرار للتعاطي مع هذه الأزمة الطبيعية.
إنني لا أستغرب أبدا ما حصل فالتخطيط لدينا في كل شيء أمـــر في أواخر قائمـــة أولويات حياتنا، وهكذا درج المجتمع بأسره على التعاطي دوماً في صنع القرار على ما يسمى إدارة الأزمات، إذ تجدنا نركض يميناً وشمالاً لنصنع قراراً ينهي أو يخفف من وطاة الأزمة. وهذا النهج بالمناسبة هو أسلوب يتماشى ليس مع هذه الواقعة بل مع غالب نواحي وأوجه حياتنا. نعايش هذا الأسلوب في كل زاوية ونظام حياة، في كل مناسبة حتى وإن كنا نعرف أنها قادمة، نجـــد وكأن الأمر يقع لأول مرة، في رمضان أزمة وفي الصيف أزمة وفي حدوث الأمطار أزمة وفي سوق المال أزمة وفي الامتحانات أزمة وهكذا دون أن نعتبر لتكرارها للتعامل والتعاطي معها بشكل أكثر كفاءة. إن التخطيط لا يقف عند مستوى التخطيط لشيء متكرر، بل هو التخطيط لشيء لا يتوقع حدوثه إذا ما رغبنا أن نكون مجتمعاً متحضراً يصنف نفسه بالمهم في خريطة العالم. فالتخطيط للاقتصاد والتخطيط للشؤون الاجتماعية والتخطيط للتعليم وسوق العمل وكل أمر من أمور الحياة يحتاج إلى تخطيط إلا أنه بكل أسف لا نقدر هذا المبدأ بشكل مهني واحترافي مما يجعلنا دوما نتعامل مع كل أمر بأزمة وننتهي بمبدأ إدارة الكوارث والأزمات فتصير الضحية نتاج هذه الإدارة، وهو تدني نتائج هذه القرارات والأسلوب الإداري المتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي