تحديات العمل الخيري في ظل الأزمة
يبدو أن العالم اليوم يتحرك بشكل أسرع من أي وقت مضى وأن الأزمة المالية العالمية غيرت فعلا وجه العالم الاقتصادي وفي الطريق لتغيير الوجه الاجتماعي، فالمتابع لمجريات الأحداث يدرك حجم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالكثير من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة على حد سواء مما جعل التشاؤم حول مستقبل الاقتصاد العالمي المنظور لا يبشر بالكثير من النمو، بحيث أصبح الحديث على الكساد الاقتصادي خصوصا في الاقتصاديات المتقدمة هو المسيطر على عقليات المتابعين. ولعل الحديث عن القطاعات التي يطولها التأثر بهذه الأزمة الاقتصادية لا يقتصر على القطاعات الاقتصادية التجارية أو الحكومية وميزانياتها وحجم إنفاقها، بل إنه يغطي جميع أطياف الاقتصاد.
القطاع الخيري هو جزء مهم من المنظومة الاقتصادية وأحد المحركات المهمة للنهوض بالأمم، ولا أبالغ أنه القطاع الأكثر رحمة وشفافية والأقرب إلى قلوب الناس لما له من أهداف نبيلة ومساهمات كبيرة في معالجة جروح الزمن وما له من قيمة إيمانية تمثل الهدف لكثير من الناس. ولعل النظر إلى هذا القطاع عن بعد يجعلنا نتساءل عن مدى تأثره بالأزمة المالية العالمية وعن عمق ذلك التأثير.
وبتفكير سريع، فإننا نشاهد أن التأثير يأتي في مؤشرات سلبية لهذا القطاع الذي يعتمد كثيرا على لعب دور وسطي بين الأطراف ذات العلاقة بمعني أنه دور تنسيقي بين البائع والمشتري أو بين المعطي والمتلقي. ومن خلال هذه النظرة فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو طرفا تلك المعادلة، الدعم المادي والصرف على أوجه الحاجة. حيث يعتمد هذا القطاع على هبات وصدقات وتبرعات ورعايات تأتي غالبا من القطاع الخاص على شكليه المؤسسي والفردي. ويقوم القطاع الخيري على ربط المداخيل بمخرجات اجتماعية إنسانية للفقراء والمساكين وجميع من في هذا المفهوم. ولذلك فإن في الرفاه الاقتصادي تزيد العطايا وتقل المصروفات وفي الأزمات الاقتصادي تقل العطايا وتكثر المصروفات مما سبب خللا في ميزانيات القطاع الخيري.
اليوم نحن في أزمة اقتصادية كبيرة، فالقطاع الخاص بشقيه المؤسسي والفردي يواجه أزمة سيولة وضعف في القوة الشرائية مما يجعله يعيد جدولة الأولويات النقدية ويحاول تقليل المصروفات وإدارة متحفظة للموارد المالية، ولذلك فإن قائمة الأولويات تركز بشكل كبير على إدارة العمل وزيادة مبيعاته والمحافظة على الموظفين ودفع رواتبهم، ولذلك فإن قائمة الألولويات لا تشمل المصروفات ذات العلاقة بالتسويق والعلاقات العامة ومنها الرعايات والتبرعات للأعمال الخيرية وشبه الخيرية وما يدخل مصروفات المسؤولية الاجتماعية للشركات، وذلك بلا شك يمثل تحديا مباشرا للجمعيات الخيرية من ناحية تأثيرها السلبي في الموارد المالية التي تحصل عليها الجمعيات من القطاع الخاص في ظل الأزمة ويجعلها بالتالي تعيد حساباتها المالية التي قد تكون قد أغفلت بشكل ما تأثير الأزمة المالية المفاجئة.
الشق الآخر من تأثير الأزمة في العمل الخيري يأتي عن طريقين، الأول زيادة الطلب على الدعم من الجمعيات الخيرية من قبل زبائنها من المحتاجين والمعوزين الذين تقل مواردهم بسبب قلة التبرعات المباشرة لهم من قبل القطاع الخاص بشقيه المؤسسي والفردي للسبب السابق ذكره. ومن ناحية أخرى فإن هناك زيادة في عدد الفقراء والمحتاجين بسبب زيادة نسبة البطالة الناتج عن تسريح الموظفين من الشركات وكذلك بسبب قلة الوظائف المعروضة في الاقتصاد. فتصبح أرقام العاطلين عن العمل في ازدياد كبير مما يجعل عدد المستفيدين من الجمعيات الخيرية يزيد بالنسبة نفسها، وذلك بدوره يسبب ضغطا كبيرا على موارد الجمعيات الخيرية.
لعل هذه صورة عامة لما يمكن أن تحدثه الأزمة المالية الحالية على القطاع الخيري والمستفيدين منه، وشاهدنا أمثلة حية على زيادة أعداد المطالبين بمعونات خيرية أو حكومية في الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية.