اقتصادنا يتنفس برئة واحدة
القوائم المالية والميزانيات هي وسائل رقابية سوقية تضمن إعطاء إشارات موجبة أو سالبة كبيرة أو صغيرة عن درجة أداء أي منشأة. فحجم الربح أو حجم الخسارة هو مكافأة النجاح والتميز والتطور أو عقاب الفشل والتدهور.. لكن المشكلة كل المشكلة ه أن توجد منشآت ضخمة حكومية أو عامة أو مؤسسات خيرية ليس وراءها رقيب عتيد يمثل تقييم أو تقويم المجتمع لها ويعطيها مؤشرات إيجابية أو حوافز للنجاح والتطور أو مؤشرات سلبية للفشل والتخلف، وهذا الوضع يخلق فجوة ضخمة بين الطلب والعرض لمنتجات ومخرجات هذه القطاعات من الناحية النوعية والكيفية بل من الناحية الكمية .. والنتيجة أن المجتمع يعاني بصمت سوء أداء كثير من الأجهزة الحكومية والعامة، ويشمل ذلك المنشآت المرورية والمؤسسات التعليمية وإدارات الخدمات العامة الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
على سبيل المثال في القطاع التعليمي تأتي الأسئلة التالية: ما درجة تقييم وأداء المدارس الابتدائية أو المتوسطة والثانوية المختلفة المتعددة في مختلف مناطق ونواحي المملكة؟ .. هل ميزانية ثانوية في الجوف أو تبوك أو نجران أو غيرها من مناطق المملكة تعطي عوائد كافية من حيث نوعية وكفاءة المتخرجين من الطلاب والطالبات؟ ثم هل مدير إحدى هذه الثانويات وبقية الإداريين معه يتم تقييم أدائهم في إسهامهم في إنجاح مدارسهم الثانوية ومن ثم إظهار نتائج أدائهم أمام الجميع؟ ومن الذي يستطيع أن يقول إن مدارس المملكة الثانوية في مختلف أرجاء المملكة تقوم بأداء أمانتها - مديرين ومدرسين على الوجه الأكمل؟
الأمر نفسه ينسحب على مؤسسات قطاع التعليم العالي في مختلف جامعات المملكة المتعددة .. فقط يقال بين الناس إن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن هي الأولى بين جامعات المملكة وإن جامعة الملك سعود هي الثانية ..هل يتم على أساس علمي هذا التقييم العام المنتشر بين الناس أم هي مجرد انطباعات عامة؟ هنالك مقاييس دولية لتقييم الجامعات قد تسعف في تصنيف هاتين الجامعتين، ولكن لماذا لا يكون هناك تطوير لمقاييس أداء عالمية دقيقة لهذه الجامعات أشبه ما تكون بالميزانيات والقوائم المالية للشركات .. ثم من الذي يقيم أداء مختلف الكليات داخل هاتين الجامعتين ومن يعطي مؤشرات نجاح وتميز لأقسام داخل هذه الكليات مقارنة بأقسام أخرى يعاني طلابها السوء فضلا عن تردي البحوث العلمية بها ولا أحد يعلم بها؟
نحن بحاجة لإنشاء هيئة عامة لمواصفات ومقاييس أداء الأجهزة الحكومية والعامة لتقوم بتطوير مقاييس وأدوات إحصائية يعمل فيها في تقييم وتطوير وتقويم مؤسساتنا الحكومية والعامة التي يشكل حجم الإنفاق عليها أكثر من 50 في المائة من الدخل الكلي للاقتصاد السعودي وليس وراءها حتى الآن أدنى محاسبة أداء نوعي أو كمي يذكر! فمتى يتم تفعيل أداء نصف اقتصادنا؟ فاقتصادنا يتنفس برئة واحدة.