وهيب بن زقر.. ما أصعب الوداع
لن يكون سهلا وداع إنسان كبير مثل وهيب بن زقر..
وجدة والبحر وبيت التجار، كل هذه سيكون لها طعم وملامح أخرى، ولعل (جدة) لا تفقد شيئا من سحرها الخاص بعد رحيل أبو عبيد!
قبل أسبوعين كنت عنده في البيت.. كان أكبر من المرض.. يغالب الشوق إلى الناس ولكن التعب أغلب، يفرح عندما يرى أصدقاءه ومحبيه قريبين إليه، كما هو دائما، سعادته في رؤية الناس حوله، إن لم يأتوا إليه ذهب يفتش عنهم، حتى في الأماكن البعيدة.
كان صوته المتعب، والساعة المحددة للزيارة هما عائقه لأن يتحدث ويتدفق، كان يقول كلاما قليلا ثم يصمت، حديثه محصور في السؤال عن الناس والأحوال، سأل عن أصدقائه، وعندما عزيته في صديقه الراحل الكبير الذي فقدناه، عبد الله الحقيل ـ رحمه الله ـ، لم يقل شيئا ولكن عيناه سرحتا بعيدا وعرفت حينئذ أنه كان يقول أشياء كثيرة في الذات المتعبة.
وهيب بن زقر تجربة ثرية، وهو كغيره من جيله رحل وأخذ معه أشياء كثيرة، إنه (رجل دولة) بكل ما تحمله هذه من معان عديدة، كان كبيرا في أفكاره وأحلامه وأخلاقه، كان همه "الوطن" مستقبله، استقراره، قوته وكان يحاجج دائما بأن التاجر الناجح والمواطن الصالح والمسؤول المكلف بالمسؤولية يجب أن يسأل نفسه ماذا قدم لأهله ووطنه، قبل أن يسأل ماذا قدم له الوطن.
هذا الموقف، أو التصور هو فلسفة سياسية واقتصادية يؤمن بها، وكنت ألمس معالمها في مقالاته وحواراته العامة وفي اللقاءات الخاصة مع أصدقائه، حيث لا مجال للمجاملات، وهذا الموقف يستمده من تعليمه واحتكاكه الواسع عالميا ومن نشوئه في بيت تجاري عريق وبيئة تجارية مثل بيئة جدة.
رحيله، كما هو خسارة إنسانية، هو خسارة وطنية، فجيل العصاميين الكبار الذين بدأوا يرحلون عنا في السنوات الأخيرة لن يكون سهلا علينا رحيلهم أو تعويضهم، فهم نتاج حقب زمنية صعبة، ومن يشبون ويكبرون في الزمن الصعب والمر يتشكلون بتركيبة خاصة، ثم يتحولون إلى كبار في مواقفهم وعقولهم وفي تقديرهم للظروف والأحوال.
هؤلاء، ووهيب بن زقر واحد منهم، صعب توديعهم، وقليل ما يقال بحقهم ولكن العزاء، أنهم يرحلون ويتركون فينا (بعضا) منهم، فينا حبنا لهم، وما أصعب كلمات العزاء!
رحم الله الفقيد والعزاء لنا جميعا.