رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اقتصادات الخليج.. الطريق الطويل والعاصف

أصدر بنك نومورا الشرق الأوسط منتصف الأسبوع الحالي مذكرة حول واقع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وتحدياتها للفترة المقبلة في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية.
صدرت المذكرة تحت عنوان "الطريق الطويل والعاصف" في إشارة إلى طبيعة التحديات التي تواجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم مما تحمله المذكرة من قراءة مرجفة للواقع والتحديات، إلا أن مدارستها قد تسهم في تقريب وجهات النظر حول جدوى ما تم عمله حيال تحويل التحديات إلى آفاق مأمولة، ومن ثم إلى واقع ملموس.
من الفرضيات الجديرة بالاستشهاد من المذكرة طبيعة تكون الأصول لدى أي منظومة اقتصادية. أشارت المذكرة إلى أن الأصول في طبيعتها تمر بتسع مراحل تهدف في نهاية مطافها إلى تكوين أصول مالية. تعد المراحل الأربع الأولى مراحل تراجع، والمرحلة الخامسة مرحلة انتقالية من حالة التراجع إلى حالة النمو، والمراحل الأربع الأخيرة مراحل نمو. تبدأ مرحلة تكون الأصول مباشرة بعد فقاعة اقتصادية وتنتهي بتولد فقاعة اقتصادية جديدة. المراحل التسع ما يلي:
المرحلة الأولى تراجع السياسة النقدية مما يؤدي إلى انفجار الفقاعة الاقتصادية. والمرحلة الثانية انخفاض أسعار الأصول، ما يؤدي إلى تراجع أحجام المشاريع الاقتصادية. تسهم هذه المرحلة في زيادة حجم الديون ومن ثم توجه المنظومة الاقتصادية إلى الركود. المرحلة الثالثة تتوقف السياسة النقدية عن أداء عملها مع توقف القدرة على سداد الديون فتبدأ السياسة المالية في أداء دورها بمفردها. المرحلة الرابعة تتمكن المشاريع الاقتصادية من الوفاء بديونها بعد فترة من السداد ومعلنة قرب انتهاء حالة الركود الاقتصادي مع بقاء أسعار الفائدة منخفضة والاقتصاد متقلب والنفسية متوترة.
المرحلة الخامسة يتلاشى التوتر النفسي من استمرار الركود الاقتصادي وتبدأ فرص تمويل المشاريع الجديدة تلوح في الأفق معلنة بداية النمو الاقتصادي. المرحلة السادسة يتحسن مستوى عرض تمويل المشاريع الاقتصادية وتبدأ السياسة النقدية في العمل من جديد بعد توقفها خلال المرحلة الثالثة. المرحلة السابعة تحل السياسة النقدية محل السياسة المالية في أداء دورها الطبيعي في المنظومة الاقتصادية. المرحلة الثامنة تعود الثقة للقطاع الخاص في أخذ زمام المبادرة في تنفيذ المشاريع الاقتصادية بعد الشعور بالنمو الاقتصادي. المرحلة التاسعة والأخيرة تزداد ثقة القطاع الخاص زيادة أكثر من المأمول، ما يشكل إعلان تكون فقاعة اقتصادية جديدة.
لعلنا قبيل مدارسة المذكرة بشكل مختصر نقلب صفحات التاريخ الاقتصادي لمدارسة تجربة الاقتصاد التايلاندي خلال منتصف التسعينيات الميلادية من منظور طبيعة تكون الأصول المالية أعلاه، حيث شهدت تايلاند خلال الفترة من 1985 إلى 1995 طفرة اقتصادية عمت بنفعها معظم جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية عندما سجل الاقتصاد التايلاندي معدل نمو سنوي بمقدار 8.4 في المائة، وبقي معدل البطالة دون مستوى 5 في المائة.
عزيت أسباب الطفرة الاقتصادية في المقام الأول إلى نمو الصادرات التايلاندية خلال الفترة من 1990 إلى 1996 ، وانعكاسات ذلك على نمو الاستثمارات الأجنبية، وما نتج عن ذلك من زيادة الطلب في قطاعات العقارات والإنشاءات والتطوير العقاري.
بدأت الطفرة الاقتصادية تحد من فورتها في عام 1996 متأثرة بأزمة الأسواق المالية الآسيوية، ورامية بظلالها على نمو قطاعات العقارات والإنشاءات والتطوير العقاري التايلاندية. تزامنت تلك الفترة مع مجموعة من التطورات. من أهمها فترة تصحيح السوق المالية التايلاندية، وتراجع قيمة البات التايلاندي، واحتياطي العملات الأجنبية، ومعدل الفائدة جراء الارتباط بالدولار الأمريكي، وما نتج عن ذلك لاحقا من فك الارتباط بالدولار الأمريكي، وتضاعف قيمة ديون الشركات التايلاندية.
تحمل تجربة التمويل العقاري التايلاندية وانعكاساتها على قيمة البات التايلاندي في طياتها العديد من الفوائد عند النظر إليها من منظور طبيعة تكون الأصول المالية، حسب مذكرة بنك نومورا. اعتبرت المذكرة أن اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي تمر حاليا بالمرحلة الثانية من مراحل تكون الأصول، انخفاض أسعار الأصول، ما يؤدي إلى تراجع أحجام المشاريع الاقتصادية، بينما تمر اقتصاديات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالمرحلة الثالثة من مراحل تكون الأصول، توقف السياسة النقدية عن أداء عملها مع توقف القدرة على سداد الديون فتبدأ السياسة المالية في أداء دورها بمفردها.
وبغض النظر عن مدى القناعة المنطقية بزاوية قراءة واقع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وتحدياتها للفترة المقبلة في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية، فإنه من الأهمية بمكان التوكيد على أهمية التوازن بين نمو القطاعات الاستراتيجية المختلفة داخل الاقتصاد المحلي بما يحقق الحماية الاقتصادية الشاملة من تقلبات الاقتصاد العالمي والتنمية المستدامة للاقتصاد المحلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي