رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السياسات الماكرة لتسعير المنتجات.. البيع بالتقسيط مثالا

ذكرت في مقال سابق أن هناك جوانب متعددة للتسعير منها ما هو مقبول وأخلاقي ومنها ما هو محظور واستغلالي وغير أخلاقي، وأبشع هذه الطرق هي سياسة "المطالبة بالمزيد" والتي تستخدم شعار "أطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه". وقد بينت أن سياسية "المطالبة بالمزيد" من أدهى وأخبث طرق التسعير لدرجة أن بعض أدبيات التسويق تبرهن أنها أصلت في مجال التفاوض والدبلوماسية الدولية ولا تمت لعلم التسويق بصلة. وقد عرضت في المقال ذاته كيف استخدمت شركات الحديد في بلادنا العام الماضي هذا الأسلوب عن طريق رفع الأسعار عدة مرات وعلى مراحل زمنية متباعدة وبنسب متفاوتة، حتى وصل الأمر إلى مرحلة حرجة أدركوا بعدها أننا كمستهلكين لا نستطيع تحمل المزيد. وفي هذا المقال سنلقي الضوء على جوانب مظلمة أخرى تنتهجها الشركات عند تسعير منتجاتها ومن أبرزها ما يسمى بـ "سياسة النقود المرحة والبطاقات الائتمانية".
النقود المرحة كما عرفها "دواسون" هي عبارة عن تفصيل السعر بشكل هزلي حتى نراه أقل من وضعه الحقيقي. وأكثر ما يستخدم في مجال العقارات، والتأمين، والمفروشات، والبيع بالتقسيط. لو سألت شركة بوينج عن التكلفة التي تتحملها لنقل 747 راكبا من ميناء إلى آخر فلن تتسرع وتجيبك أن القيمة هي 5200 دولار، وإنما سترد بالقول "11 سنت لكل ميل للراكب الواحد".
في بعض الدول التي تتعامل بالرهن العقاري يوضح سماسرة العقار أن قيمة امتلاك بيت الأحلام لن يكلف المستهلك سوى عشرة دولارات في اليوم، وهذه ليست القيمة الحقيقية للمنزل والمستهلك يعلم ذلك ولكنه يتحاشى هذه الحقيقية حتى لا تحول بينه وبين تحقيق أحلامه في امتلاك بيت العمر. عندما يعرض السمسار الموضوع بهذا الشكل فإنه يبسط الأمر ويظهر سهولة إنجاز الصفقة لأنه أبرز للمستهلك زاوية لم يرها من قبل مما يجعله يصدق أن عشرة دولارات هي قيمة امتلاك منزل العمر، بينما القيمة الإجمالية الحقيقية التي سيدفعها هي 90 ألف دولار (عشرة دولارات في اليوم لمدة 25 عاما).
وهذه اللعبة تمارس علينا هنا في بلادنا، فعلى سبيل المثال: تنطلي علينا حيلة النقود المرحة عندما نشرع في بناء منزل حينما يتعمد بعض المقاولين إخبارنا بعد الاتفاق على بنود العقد أنه قرر رفع سعر المتر خمسة ريالات فقط لأسباب يراها منطقية وبما أننا لا نريد أن تفلت الصفقة من بين أيدينا فنرى زيادة خمسة ريالات في سعر المتر لا تستحق وقتا للتفكير وفسخ العقد، ولكن عند حساب هذا المبلغ الهزيل بشكل إجمالي وفقا لمساحة المبنى المكون من عدة أدوار فإن هذا يكبدنا مبالغ إضافية عالية لا ندرك حجمها في حينه.
وهناك صورة أخرى من صور تفصيل القيمة بشكل هزلي تستخدم في عالم المفروشات وضحها "دواسون" في كتابه. الشركات العملاقة في مجال المفروشات لا تعرض لنا السعر الكامل لمنتجاتها بل نراها تضع منشورا على الطاولة أو المكتب أو السرير المعروض للبيع يحتوى على الجملة التالية "يمكنك اقتناء هذا الفرش الجميل وسيبقى معك أعواما عديدة ولن تدفع سوى مبلغ 200 دولار في السنة" والبعض يفضل استخدام العبارة التالية "إن هذا المفرش الجميل لن يكلفك سوى خمسة دولارات في الأسبوع وهذا سعر تستحقه أنت مقابل اقتناء أفضل أصناف الفرش في العالم" ولن يخبرك بالسعر الإجمالي للفرش حتى تلتزم أمامه أدبيا بالشراء. هذا إذا أرد أن يبيعك نقدا أما إذا أراد أن تستخدم البطاقة الائتمانية فالأمر أشد تنكيلا فسيركز على القيمة الهزيلة للقسط الشهري بدلا من القيمة الحقيقية للمنتج.
ويتضح هذا الأمر عند شرائنا السيارات بالتقسيط، فوكالات السيارات في بلادنا تُظهر لنا القسط الشهري فقط، ولا تتعرض أبدا للقيمة الإجمالية لأن التركيز على القيمة الإجمالية يجعل المستهلك يتردد في الشراء، كما أننا نحن المستهلكين لا نحاول الاستفسار عن القيمة الإجمالية ونكتفي بمعرفة ما نستطيع دفعه وهو (القسط الشهري) ونتفاوض بناء على القسط وليس على أساس المبلغ الإجمالي، لذا ترى غالبية المشترين يتحاشون الخوض في تفاصيل القيمة الإجمالية للسيارة حتى لا يحول معرفة هول المبلغ الحقيقي بينهم وبين التمتع باقتناء سيارة جديدة. وهذه ناحية نفسية نفرضها لا شعوريا على أنفسنا ويستغلها أصحاب الوكالات بمهارة عالية لترويج مبيعاتهم.

لذا يجب معرفة القيمة النقدية الحقيقية للسلعة قبل الشراء وألا تنطلي علينا حيلة النقود المرحة أو تفصيل السعر بشكل هزلي فرجال الأعمال يدركون أننا إن لم نكن قادرين على دفع نقود حقيقية من المبالغ الفعلية التي نملكها فإننا على استعداد لمزيد من الإنفاق. وهذا ما يدفع أندية القمار في كل أنحاء العالم إلى استبدال النقود الحقيقية بسبائك المقامرة لأن النقود الحقيقية تجعل المقامر يتردد في اللعب، أما السبائك التي هي عبارة عن نقود وهمية تدفع المقامر للعب بجراءة، وفي مقال مقبل ـ بإذن الله ـ سنلقي مزيدا من الضوء على هذا الموضوع والذي سيقودنا إلى معرفة الأسباب وراء تشجيع المستهلكين على استخدام البطاقات الائتمانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي