لكي يكون الإنفاق الحكومي على منابت الاقتصاد

في بلادنا حيث شح الموارد المائية المتجددة نود جميعا أن نرفع من كفاءة استخدامنا للماء ليصبح الفاقد (الماء الذي لا يدخل في عملية نمو النبات) يقترب من درجة الصفر قدر الإمكان، وهو ما يتطلب كفاءات علمية متخصصة تتكاتف فكريا وعمليا لتحقيق هذا الهدف لتركيز السيولة المائية على منابت الشجر وتعزيز قدرة الأشجار للاستجابة المثلى للسيولة المائية، وذلك من أجل الحصول على أعلى إنتاج زراعي ممكن من كل قطرة ماء، وذلك بهدف تحقيق الأمن الغذائي (توفير الغذاء بشكل مستمر ومتناول) في ظل ندرة الموارد المائية.
كذلك في ظل شح السيولة فإن علينا أن نجمع الكفاءات العلمية المتخصصة بعالمي الاقتصاد والمال بهدف رفع الكفاءة الإنتاجية للسيولة المالية الحكومية المتاحة إلى أقصى درجة ممكنة، خصوصا أنها أصبحت السيولة الوحيدة التي يمكن أن تغذي منابت الاقتصاد في ظل غياب السيولة الخارجية وترقب السيولة الداخلية في أجواء اقتصادية مضطربة وغير مشجعة، ومن أجل رفع درجات الاستجابة لهذه السيولة من قبل جميع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية.
تحليل القروض الاستهلاكية أثبت لدينا بما لا يدع للشك أننا أمام سيولة تذهب في رمال تبدد معظمها دون عوائد اقتصادية تذكر إن لم يكن العكس هو الصحيح، حيث الآثار الاقتصادية السلبية لهذه المصارف، وكلنا أمل ورجاء ألا نقع في هذه الأخطاء ونحن نقف على أرض اقتصادية هشة نتيجة العاصفة المالية العالمية التي تضرب هنا وهناك وتخلف الآثار الاقتصادية المدمرة، حيث تهاوي كبرى المؤسسات المالية والشركات وترنح البعض الآخر فضلا عن الصغيرة والمتوسطة، وحيث القتل المستمر للوظائف الذي يدفع بالملايين إلى البطالة وإفرازاتها الخطيرة التي لا تعد ولا تحصى.
نعم نريد للسيولة المالية المتاحة والمتوافرة لدى الحكومة أن تصب في منابت الاقتصاد وقت الانكماش، كما هو الحال عندما تصرف حكومتنا الرشيدة بحكمة أيام الانتعاش الاقتصادي وارتفاع عائدات النفط، حيث قامت فضلا عن توفير الكثير من هذه الإيرادات بضخ مليارات الريالات في جميع مجالات التنمية الاجتماعية والصحية والبنى التحتية، وتنمية الموارد الاقتصادية وغيرها، كما رصدت للإنفاق التنموي من فائض الأعوام المالية المذكورة ( 2005 و2007) مبلغ 108 مليارات ريال إضافة لمبلغ 71 مليار ريال خصصت لرفع رساميل المؤسسات التنموية التالية بواقع 13 مليار ريال لصندوق التنمية الصناعية، و18 مليار ريال لصندوق التنمية العقارية، وخمسة مليارات ريال لبنك التسليف السعودي، و20 مليار ريال لصندوق الاستثمارات العامة، و15 مليار ريال لبرنامج دعم الصادرات الوطنية.
والسؤال المهم في ظني هو: ما منابت الاقتصاد التي يجب أن نوجه السيولة المالية لها في هذه الظروف ؟ ثم ما الآليات المتاحة لتوجيه تلك السيولة إلى هذه المنابت الاقتصادية بكفاءة عالية دون مخالفة استراتيجية الحكومة في الخصخصة المثمرة اقتصاديا والداعمة لقوى السوق لتلعب دورها في توفير السلع والخدمات بشكل مستمر ومتناول من قبل المواطن والمقيم، وكيف لنا أن نجعل من متلقي السيولة أكثر استجابة لها بما يظهر عليها من بوادر نمو وازدهار.
كلنا يعلم أن الإنفاق الحكومي يسهم في تحريك السوق بشكل كبير، وكلنا يعلم أيضا أن نوعية الإنفاق الحكومي تحدد مدى فاعلية هذا الإنفاق في تحريك عجلة الاقتصاد، وهذه مساحة تحتاج إلى مناقشات وفكر لتحقيق أعلى كفاءة إنفاق ممكنة، بدفع الإنفاق إلى منابت الاقتصاد مع أقل فاقد ممكن لأي سبب كان.
تحريك سيولة الكتل المالية الاستثمارية وودائعها نحو المشاريع المهمة والحيوية ذات الجدوى الاقتصادية والمولدة للفرص الوظيفية والفرص الاستثمارية من خلال آليات تمويل متعددة وفاعلة تلبي متطلبات وأهداف جميع الأطراف أصبحت أيضا قضية غاية في الأهمية بل والإلحاح، وتستدعي جهودا فكرية عميقة وعاجلة لدفع تلك السيولة إلى منابت الاقتصاد الوطني أيضا.
تعزيز قدرات القطاع الخاص الإنتاجية وتلبية متطلبات الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص من أجل خفض التكلفة وتعزيز القدرات الإنتاجية أصبحت ضرورة ملحة أيضا لتحريك الاقتصاد، وبكل تأكيد فإن الحكومة تملك ما هو معادل لقوة السيولة المالية في تحريك الاقتصاد، وهي قوة الأنظمة والإجراءات إضافة لقوة الدعم المادي غير المالي كالأراضي والمساهمة في تطوير البنى التحتية بصورة أو بأخرى، وبكل تأكيد سيسهم ذلك في استجابة القطاع الخاص بأمثل صورة للسيولة المالية الموجهة لمنابته ـ بإذن الله.
ختاما: أقول إننا نواجه بكل تأكيد عاصفة مالية عاتية لم تصل مداها وتطيح بالاقتصادات والمؤسسات هنا وهناك بشكل مفزع، وبكل تأكيد علينا أن نتجهز بفرق فكرية ذات خبرات متراكمة في مواجهة الأزمات، فرق قادرة على الخروج من الذاتية إلى روح العمل ضمن روح الفريق للوصول إلى أفضل الحلول لاجتياز هذه الأزمة مهما كانت اتجاهاتها وتأثيراتها في مصادر سيولتنا المالية خصوصا النفط الذي نرقب أسعاره بعيون تتأرجح بين الخوف والرجاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي