الانتخابات الإسرائيلية بين الشؤم واللؤم
أحسنت مجلة "الإيكونوميست" صنعا في عددها قبل الأخير أن اختارت كاريكاتيرا يصور الانتخابات الإسرائيلية بقيادتها الثلاثية ليفني ونتنياهو وليبرمان, والأولى تحمل علما يقول اقتل بعض الفلسطينيين, ونتنياهو يقول اقتل معظم الفلسطينيين, والمتطرف ليبرمان يقول اقتل جميع الفلسطينيين. الكاريكاتير يصور الحقيقة المرة للتفكير الحقيقي للحكومة الإسرائيلية المقبلة والأحزاب المتطرفة التي ربما تشارك فيها، فقد تمخضت الانتخابات الإسرائيلية الجديدة لتكون كما توقعت في مقال سابق في هذه الصحيفة السيارة صفعة أخرى توجه لمسيرة السلام ولأحلام الرئيس الجديد القادم للبيت الأبيض وكذلك المندوب الجديد للسلام في الشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل الذي انضم إلى سلسلة من المندوبين والمستشارين والممثلين الذين تعاقبوا على هذه القضية منذ سنوات ـ وتشارك اللجنة الرباعية والسيد توني بلير وخافير سولانا وآخرين في زحزحة الموقف الإسرائيلي المتعنت، وها هو الجمهور الإسرائيلي يخرج لنا نتائج يمينية تميل إلى التشدد وأصبح خراب غزة واختطاف الفلسطينيين من الضفة الغربية وتصفية القيادات الفلسطينية الثمن لمثل هذا الفوز. ولا شك أن حظوظ بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود في تشكيل الوزارة ضربة أخرى للسلام عند قيامه بتشكيل الحكومة إذا تمكن من ذلك فسيخرج لنا بمقولة "إنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام" وسيستعمل انقسام الضفة وغزة كوسيلة لضم كثير من الأراضي الفلسطينية الباقية والاستيطان, خاصة وقد أشار أحد التقارير السرية التي تسربت إلى الصحف أخيرا إلى أن نشاط الاستيطان وضم الأراضي تضاعف في السنوات الأخيرة وبوتيرة سريعة, كما أن برنامج بناء ما يزيد على 75 ألف وحدة سكنية بين القدس والخليل وهدم المنازل العربية في القدس سيعوق إقامة أي دولة فلسطينية وتواصلها مع أن إسرائيل تعلن للعموم إيقاف نشاط الاستيطان ولكن الواقع غير ذلك ـ والآلية المتبعة في إسرائيل لتشكيل الحكومة فيها كثير من التعقيدات, حيث يقوم الرئيس الإسرائيلي بعد إعلان النتائج بسبعة أيام بأن يعهد بتشكيل الحكومة إلى رئيس الحزب الذي يعد مؤهلاً للقيام بذلك, حيث فاز حزب كاديما بـ 28 مقعدا والليكود بـ 27 مقعدا وتوزعت الأحزاب الأخرى باقي الـ 120 مقعدا, وكانت المفاجأة فوز حزب إسرائيل بيتنا بـ 15 مقعدا, وهو حزب متطرف يقوده المتطرف ليبرمان ويمثل على وجه الخصوص اليهود الروس, سيكون هذا الحزب حجر عثرة في تشكيل الحكومة المقبلة مع ما يمثل ذلك من تطرف وعلى استقرار للحكومة المقبلة, كما تراجع حزب العمال وقد كان الحزب الثاني في إسرائيل إلى المرتبة الرابعة فقد حصل على 13 مقعدا, والغريب في هذه الانتخابات قفزة الليكود من 12 مقعدا في الانتخابات السابقة إلى 27 مقعدا في هذه الانتخابات. ومن خلال ذلك يرى المحلل السياسي في هذه الانتخابات أن قفزة الليكود وكذلك إسرائيل بيتنا وحصولهما على هذا العدد الكبير من الأصوات هو بداية سلسلة التطرف والخروج على القانون وقرارات الشرعية الدولية وفريق المندوبين الدوليين الذين يجوبون الفضاء ذهاباً لوضع هذه القضية على طاولة البحث الجاد وستجد الحكومة الأمريكية الجديدة ومندوبوها أيديها مغلولة لإيجاد الحلول الكبيرة لهذه القضية, وسيكون انقسام غزة والضفة ذريعة جديدة يستعملها هؤلاء المسوفون لوضع القضية في ثلاجة الزمن لعدد من السنوات, ما قد يفوت على الإدارة الأمريكية الجديدة فرصة إيجاد الحلول. إن غدر اليهود ومكرهم وإحساسهم دائما بالفوقية والتميز والدعم الذي يجدونه ظاهرا وباطنا من عصاباتهم في أمريكا سيجعل الإدارة الأمريكية والمندوبين وفريق الخبراء في غير عجلة في أمرهم, كما أن بعضهم قد يرى في عدم استقرار الشرق الأوسط فرصة دائمة للتدخل والذهاب والإياب وعقد مؤتمرات وتوجيه السياسات والاستفادة من الخلافات العربية ـ العربية لتكون أصابع وأقدام خارجية تلعب دائماً في ساحة الوطن العربي دون حسيب أو رقيب. إن تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة وإعطائه فترة زمنية 28 يوماً واتفاقه المبدئي مع حزب إسرائيل بيتنا المتطرف 15 مقعدا وبعض الأحزاب الدينية المتطرفة الصغيرة الأخرى وحصوله على نحو 65 مقعدا من أصل 120 مقعدا وقرار أكاديما 28 مقعدا وحزب العمال 13 مقعدا البقاء كأحزاب معارضة ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء عندما نجح نتنياهو عام 1996 في تشكيل حكومة لم تدم طويلاً وكان مصيرها الفشل. إننا نتوقع إلا يدوم شهر العسل طويلاً بين الأحزاب اليمينية والمتطرفة التي تسهم في تشكيل الحكومة إن تم تشكيلها فإن تطرفها ولؤمها وأجندتها الخاصة مثل إسرائيل بيتنا الذي يفوز لأول مرة بهذا العدد الكبير من المقاعد ويعلن الرغبة في طرد عرب فلسطين من إسرائيل وتعديل قوانين الزواج والقضاء على (حماس) وضم مزيد من الأراضي لهو نذير شؤم ولؤم.
ولعل من المناسب في هذا المنعطف الإشارة إلى ما يقوله كريس باتن وهو رئيس حزب المحافظين سابقاً وحاكم هونج كونج الأخير عن رئيس الوزراء السابق توني بلير وممثل اللجنة الرباعية للقضية الفلسطينية ـ إذ إنه يصفه بأقبح الأوصاف, وأنه نزق ومنافق, وأن رغبته الطويلة هي البقاء في وظيفة مرموقة تظهره دائماً للرأي العام ولا يتوقع منه خيراً البتة، كما أنه يعتقد أن كثيرا من الأمريكيين المتابعين لقضية الشرق الأوسط قد قاموا بتأليف عدد من الكتب تتلاقى مع قدوم الرئيس أوباما وتكون هذه الكتب طلب توظيف لقضية الشرق الأوسط فلسطين, ولا شك أن ذلك قد أدى أكله, حيث أعيد اختيار طيب الذكر دينس روس مستشاراً في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وإيران ونظرته للمشكلة وإلمامه بمشكلات المنطقة والقضية الفلسطينية كبير, ومع أن رأيه كمؤلف لكتاب جيد عن خبرته السابقة في القضية يعبر عن رأيه الشخصي سيختلف عن رأيه مستشارا لمستشارة إسرائيل الأولى السيدة كلينتون, حيث أوصلها اليهود في نيويورك إلى مجلس الشيوخ وكذلك سهلوا ترشيحها للرئاسة قبل أن تعود إلى منزلها بعد هزيمتها من قبل أوباما الذي أعادها مرة أخرى إلى مسرح الأحداث. إن الحلول موجودة والمشكلة معروفة وتمثل التسوية العربية الطريق الأمثل لذلك إلا أن ذلك مستحيل في ضوء الحكومات الإسرائيلية المتطرفة التي أحرزت انتصارا كبيرا للأحزاب المتطرفة في الانتخابات الأخيرة. إن تكرار الدروس التي نتلقاها نحن العرب ولا نستفيد منها كثير ولا نأخذ من تكرار المحاولات للسلام مع إسرائيل العبر. إن الحقيقة المرة أنه لا يوجد طرف جاد وراغب في السلام في الطرف الآخر "إسرائيل" وإن الفرقة والاختلاف التي يعيشها العرب الآن هي الوقود الذي تعتمد عليه إسرائيل في التسويف والمماطلة والمكر ولا أجد ذرة واحدة من التفاؤل في الوصول إلى حلول. والله المستعان.