برامج ممكن أهدي..!!
إن الغزو الإعلامي والمعلوماتي في ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة أفضى إلى تغير في سلوكيات وأنماط المجتمع على أكثر من صعيد. ولعل الجانب الاقتصادي هو ما يهمنا في هذا المقال بحكم أن المحاور الأخرى الاجتماعية والأمنية ومظاهر السلوك الشخصي وغيرها يترك لأصحاب تخصصاتها الحديث عنها وبحث انعكاساتها على المجتمع والأفراد. لا شك أن هذا السيل الجارف من التغيرات فرض أنماطاً اقتصادية في تقديم وتأخير وإعادة ترتيب الأولويات في الحياة، فصار مثلاً الهاتف الجوال ضرورة والاشتراكات المعلوماتية (الإنترنت) أصبحت حاجة ملحة وهكذا. وهذا شيء طبيعي وجيد خصوصاً إذا جاءت الاستعمالات في محلها. ولكن الأمر تعدى إلى ما يمكن ملاحظته في سلوكيات الترفيه مثلاً أو المشاركات عديمة الفائدة واستغلال الفرد والمجتمع وتوجيه رغباته إلى أقرب ما يكون للتفاهات. فتجد مثلاً محطة تلفزيونية أو إذاعية تخاطب وتدغدغ مشاعر من تسوق لهم منتجاتها بشكل يدعو في بعض الأحيان إلى الغثيان. فهذا شاب أو شابة شارك في مسابقة هزيلة المستوى ولربما حتى تخرج عن حدود اللياقة. وآخر يتصل أو يبعث برسالة نصية ليهدي أغنية لشخص هو بجانبه وما إلى ذلك من المشاركات التي من الواضح في مجملها استغلال مالي بطرق متعددة سهلتها التقنية وروج لها نسيج المجتمع اليافع ومستوى ثقافته.
إنني لا أنقد الترفيه أو المشاركات في برامج حوارية لكن الأمر يصل في أغلب الأحيان إلى تدني مستوى تلك البرامج أو المسابقات والحوارات ومضامينها لدرجة أنها من الواضح هي فقط انتهازية واستغلال للظروف والبيئة المالية لجمع الأموال لتمويل أعمال وبرامج هذه المحطة أو تلك. إننا بكل أسف نقلد فقط التحضر والرفاهية دون تمييز ونفرغ محتوى هذه الأعمال من معانيها. إن الأثر الاقتصادي إذا ما استمر بمثل هذا النهج فلن ينحصر ضياع الأموال على أشياء هامشية تصل إلى حد التفاهة، بل يتعداه إلى استمراء تقليل الجدية والسماح للغير باستغلال المجتمع حال وجود مقومات لهذا الاستغلال الاقتصادي مما يجعلنا دوما صيدا سهلا وسوقا رائجة لكل من يرغب استغلالنا. أنا بالطبع لا ألوم من نجح في استغلال المجتمع ماديا فلن يمكن لأي كائن من كان أن يقف أمام هذا الانفتاح، لكنه في تقديري من مهام المؤسسات التي لها علاقة بالمجتمع والسلوكيات ذات العلاقة، فالإعلام السعودي لم يجتذب مثلا زبائن وعملاء برامج ممكن أهدي... ووزارات التربية وغيرها من وزارات المجتمع المتعددة تقع عليها مسؤولية تنمية الفكر والنضج لتحكيم نوع من الرزانة في الحد من ركض المجتمع خلف كل مَن قدم عملا روّجت له معطيات الواقع.