هيئة وطنية لتصنيف جودة التعليم
ضمن سياق تطور نظريات التنمية الاقتصادية، تناولت الأدبيات الاقتصادية باستفاضة أهمية التطور التقني، رأس المال، ورأس المال البشري للتنمية الاقتصادية المستدامة، فبعد أن كانت الأدبيات الاقتصادية في مراحلها الأولى تشير إلى أن التراكم الرأسمالي هو مفتاح النمو الاقتصادي المستدام، تم فيما بعد إثبات دور التطور التقني كالمحرك الرئيس لاستدامة النمو الاقتصادي كما يمكن استنتاجه من نموذج روبرت سولو المحسوب على التوجه النيوكلاسيكي، ولو أنه لم يسع إلى تفسير ذلك، إلا أن تطور النظرية الاقتصادية وأدوات البحث العلمي، بجانب تغير أساليب الإنتاج، أدت بمنظر اقتصادي كبير هو روبرت لوكاس، إلى أن يحدث ثورة في أدبيات التنمية الاقتصادية حين أشار إلى أن محددات انتقال رأس المال والمحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الذي يعد سبباً للتفاوت في المستوى المعيشي هو رأس المال البشري وفروقاته كماً ونوعاً بين المناطق المختلفة.
ويمثل رأس المال البشري المعرفة المتراكمة ويعرف بأنه مجموعة القدرات والمهارات المكتسبة والمتراكمة لدى مجموع الأفراد، التي يتم توظيفها في الاقتصاد أو توفيرها لبيئة الأعمال. وعليه، فمن محددات تكوين رأس المال البشري الاستثمار في التعليم والتدريب وكل ما من شأنه رفع مستوى المعرفة والمهارات التي يستخدمها الأفراد في بيئة الأعمال، أي أن الاستثمار في التعليم، والتدريب الوظيفي، والتدريب على رأس العمل، بجانب تحصيل المهارات من مختلف المصادر كالاحتكاك والمتابعة، جميعها تؤدي إلى رفع المستوى الكمي والنوعي لرأس المال البشري.
وهناك عدة أبعاد يمكن تناولها لتحليل بناء وتحسين رأس المال البشري، وبالتالي رفع معدلات النمو الاقتصادي، فبتناول البعد الاقتصادي الكلي، يبرز دور القطاع العام في توفير التعليم النظامي عالي الجودة بجميع مراحله وتوفير النظم والآليات المبنية على اقتصاد السوق التي تهيئ البيئة الملائمة لاستثمار القطاع الخاص في مشاريع والتعليم والتدريب، بحيث تكون بيئة الأعمال مناسبة لاستثمارات القطاع الخاص التعليمية التي يجب أن تشكل انعكاساً لحجم ونوع الطلب على المهارات المطلوب توفيرها للاقتصاد السعودي واكتسابها من قبل الأفراد. فمن واجب القطاع العام ممثلاً في وزارة العمل توفير معايير ومواصفات إنشاء المعاهد التدريبية والتقنية ومتابعة سير عمل هذه المعاهد وجودة التعليم والتدريب الذي توفره، بحيث يتم إصدار تصنيف نصف سنوي على غرار تصنيف الائتمان يتناول جودة المعاهد والمنشآت التعليمية والتدريبية المختلفة، حيث إن من شأن معايير التصنيف أن تشكل حافزاً للمنشآت التعليمية لتحسين جودة التعليم والتدريب، وأن تشكل مؤشراً للأفراد عند اختيار الجهات التدريبية والتعليمية، إضافة إلى توفير مؤشر لقطاع الأعمال بشأن مستوى خريجي مختلف المعاهد التدريبية والتعليمية. وتماشياً مع خطط التنمية الهادفة إلى رفع مشاركة القطاع الخاص، بالإمكان تأسيس شركة تصنيف خاصة يتم تمويلها من خلال رسوم تفرض على منشآت التعليم والتدريب بمشاركة منشآت القطاع الخاص ويتم متابعة عملها من قبل لجنة مختصة تضم ممثلين من جهات القطاع العام ذات العلاقة، على أن تكون رسالة هذه الشركة ضمان جودة التعليم وطنياً.
ومن الضروري الإشارة إلى أن إصدار نشرة تصنيفية تتضمن مختلف المنشآت التعليمية والتدريبية، تحت رقابة ومتابعة وزارتي العمل والتعليم العالي، من شأنه أن يساعد على تجاوز عقبة تفاوت المعلومات، وأن يسهم في رفع جودة رأس المال البشري والتكامل المعلوماتي بين مختلف الأطراف المعنية، أعني القطاع الخاص، والقوى العاملة، ومعاهد التعليم والتدريب.
وأخيراً، إن وجود تصنيف معتمد ويشكل مرجعية لجودة المنشآت التعليمية من شأنه أن يخلق بيئة تنافسية تؤدي في النهاية إلى رفع مستويات الجودة، وتتيح للطلاب وقطاع الأعمال أيضاً تصنيف المنشآت تبعاً لمعايير موضوعية تضمن عائداً أعلى على الاستثمار في سنوات التعلم، وتوظيف الخريجين، وتقلل من فوضى تنافس بعض الجهات التعليمية على رفع مستويات التصنيف من قبل مراكز تقييم غربية لا تستند في تقييماتها إلى أسس سليمة لقياس جودة التعليم.