العالم من أزمة اقتصادية إلى نفسية!!
تسببت الأزمة المالية التي ما زال العالم يعاني من تبعاتها آثاراً اقتصادية بليغة تباينت أحجامها على محاور ومقومات الاقتصاد، فمن البطالة وتسريح العاملين إلى تأميم المؤسسات المالية وبعض الشركات العملاقة (وإن كان التأميم نوعاً ما جزئياً) إلى الركود وتدني معدلات النمو بل الوصول إلى السلبية وغير ذلك من تفشي المشكلات المالية التي تصل إلى أرقام أشبه ما تكون بالفلكية. ولعل هذه الأزمة ولدت جراء آثارها السلبية سايكولوجية جديدة لتتحول المشكلة من مشكلة اقتصادية مالية إلى مشكلة سايكولوجية (نفسية) والتي على رأسها أزمة الثقة فالبنوك لم يعد يثق بعضها ببعض، والمتعاملون (المدخرون أو المقترضون) لا يثقون ببنوكهم وكذا البنوك لا تثق بهم ليتدنى مستوى الثقة فيما بين أطراف المتعاملين إلى أسوأ حالاته بل يتعدى هذا المنظور ليشمل المستقبل فلا توجد ثقة بالمستقبل ليتحول الأمر إلى عصبية نفسية تحطم آمال المستثمر أو المنفق وينتهي الأمر بالوقوف كما المتفرج في حالة يأس وندم.
وفي ظل الأزمة النفسية أصبح تركيز الساسة والكتاب والمفكرين خصوصاً في محور الأزمة المالية (الولايات المتحدة الأمريكية) على كيفية إعادة الثقة وبنائها بشكل يتسق ومعطيات جديدة ومتغيرات أكثر حصافة نحو التنظيم. ففي خطاب الرئيس الأمريكي الجديد (الرئيس أوباما) أمام الكونجرس أخيراً تركز الخطاب على إعادة الثقة والتغيير في ممارسات وآلية عمل المنشآت وعلاقة التعامل في المؤسسات المالية بالذات والشركات العملاقة مع الحكومة. ولا غرابة في ذلك إذ إن الأمر سبق أن عايشته أمريكا أيام رئيسها روزفلت وذلك إبان الانتكاسة الاقتصادية آنذاك حيث ركز على إقناع الناس نفسياً بأن أمريكا ستتغير إلى الأحسن وبالفعل قاد الاقتصاد الأمريكي بإخراجه من تلك الأزمة بناء على قناعة التغيير وبناء الثقة.
إن الاقتصاد الأمريكي، الذي يقود اقتصادات العالم يحاول صانعو القرار فيه سواء القرار السياسي أو الاقتصادي أن يستعيدوا الثقة التي كانت في وقت من الأوقات ثقة مطلقة شاهدين على أنفسهم بنجاح محاولاتهم من خلال تاريخ بنائهم اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك أوروبا.
إن الاقتصاد مهما صغر أو كبر حجمه لا يمكن أن ينمو ويزدهر دون وجود ثقة من خلال شواهد ملموسة سواءاً على مستوى الحكومات أو المؤسسات والكيانات الاقتصادية أو المتعاملين الأفراد. وهذه الثقة التي تبني النمو والرفاه تنسحب على كل مقومات الاقتصاد بما فيها الأسواق المالية أو حتى أسواق البضائع والسلع والخدمات ولذا فالتشريعات والتدخلات الحكومية والتنظيمية وكفالة تطبيقها بعدالة هي محور البيئة الاقتصادية التي تزيد من التفاؤل والآمال الإيجابية.