تكامل صناعة السياحة خليجياً
لا ريب في تفوق الإمارات سياحياً بمراحل على دول الخليج، سواء بمقياس السياحة الإقليمية أم بمقياس السياحة الخارجية كماً وكيفا، فالكم يتمثل في التزايد المطرد لعدد الزوار، نسبة إشغال الفنادق، التمكن من التوسع السياحي عمودياً من خلال خطوط الطيران ومكاتب السفريات في الدول الأخرى، وغيرها من الأساليب الذكية. أما الكيف فيتمثل في القدرة على تنفيذ الاستراتيجية السياحية والتخطيط بعيد المدى وتنويع المنتجات السياحية لتقليل تأثير الدورات الموسمية وتقليل مخاطر تراجع عوائد إحدى المنتجات السياحية على المحفظة السياحية ككل.
في مقالة الأسبوع الماضي، تم استعراض ثلاثة أطراف مؤثرة في السياحة هي: الجهات التنظيمية والحكومية، السياح الخارجيون الذين يمثلون الطلب على المنتجات السياحية، القطاع الخاص الذي يسهم بالدرجة الأولى في تلبية الطلب على السياحة، أما الطرف الرابع فهو المجتمع المحلي الحاضن للسياحة والمتأثر والمؤثر الأول في نتائجها، فنشاط الأعمال السياحية مترابط بصورة كبيرة وتعتمد وحدات الأعمال فيه على بعضها بعضا بصورة كبيرة، كما تعتمد على وحدات الأعمال المكملة، وحدات القطاع العام، والمجتمع الذي تعمل فيه. ويعد الأخير المستفيد الأول من العوائد الاقتصادية للسياحة سواء بطريقة مباشرة من خلال القطاع الخاص أو عن طريق الاعتماد المترابط بين الوحدات الاقتصادية التي تقدم المنتجات والخدمات السياحية.
وبالوصول إلى الطرف الرابع ممثلاً في المجتمع المحلي الحاضن للسياحة والمتأثر والمؤثر الأول في نتائجها، فإن تقبل المجتمع المحلي وتعاونه لتنمية صناعة السياحة هو من المتطلبات الأساسية، حيث إن المجتمع المحلي يشكل مخزون الأيدي العاملة، رافد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في صناعة السياحة، وخط دفاع ضد النمو السياحي الجائر الذي قد يتعدى على سلامة البيئة، عذرية الطبيعة، أو التراث التاريخي.
وتتداخل الأطراف المؤثرة في صناعة السياحة من ناحيتي العرض والطلب، إلا أن تركيز السياسات السياحية يجب أن يكون على تدعيم القدرة التنافسية الإقليمية والدولية للقطاع السياحي الوطني، فإذا سلمنا بمقولة أن التأثير الاقتصادي للسياحة هو تأثير إيجابي، فإن على صناع القرار العمل على جذب أنظار السائحين إلى دولهم وتبيان ميزة السياحة لديهم مقارنة بالآخرين، فالسوق السياحية تتضمن الكثير من الأذواق والتفضيلات، بينما تتباين المناطق وميزاتها السياحية النسبية والتنافسية، حيث إن بعض المناطق كالإمارات وعلى الخصوص دبي تتمتع ببنية تحتية سياحية حديثة وخدمات لا يمكن حتى للكثير من الدول العريقة سياحياً مجاراتها فيها، بينما نجد بعض المناطق تتميز بالآثار التراثية والتاريخية والمهن والأنماط المعيشية المتميزة ثقافياً كحال عمان. إذن، من الصعب على دبي منافسة عُمان في جذب المهتمين برؤية القلاع اليعربية على سبيل المثال، كما أنه من الصعب على عُمان منافسة دبي في جذب السائحين الباحثين عن منتجعات، خدمات، أسواق، وتسهيلات كالموجودة في دبي. لذا، من الصعب الحديث عن الإحلال هنا، بل بالإمكان تناول التكامل بين هاتين الوجهتين السياحيتين.
كما أن من المهم عند الشروع في استراتيجيات تنمية صناعة السياحة تفادي التقليد غير المدروس، حيث إن قطب الرحى للاستراتيجيات السياحية الناجحة يكمن في التركيز على الميزات السياحية النسبية والتنافسية التي تجعل من الوجهة السياحية فريدة من نوعها مقارنة بالخيارات الإقليمية.
وأرى أن إعلان مسقط في 8 شباط (فبراير) 2005 الذي تم الإعلان عنه بنهاية مؤتمر بناء البيئات للسياحة المستدامة برعاية عمان، منظمة السياحة العالمية، ومنظمة اليونسكو يشكل خريطة طريق للدول التي ترغب رغبة جادة في تنمية صناعة السياحة، وإشارة إلى عزم عُمان تبني استراتيجية تنهض بصناعة السياحة، ولو أن النتائج ما زالت متواضعة حتى الآن، فقد احتوى الإعلان على الاستراتيجيات العامة لتنمية القطاع السياحي عموماً، توصيات بشأن الاستخدام السياحي للتراث، اقتراحات تتعلق بتصميم وإنشاء بنية تحتية سياحية حديثة، توصيات بضرورة عدم تعدي المنشآت السياحية على البيئة والثروات الطبيعية والحيوانية، واقتراحات لاستدامة تنفيذ وتوسيع دائرة الاهتمام بالسياحة على مختلف الصعد.
وبالعودة إلى إمكانية الوصول إلى تكامل بين صناعة السياحة في عُمان وفي الإمارات، من المهم تحليل ميزات وخصائص البيئة السياحية حسب البيانات التي توافرت، فبحسب بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون، يبلغ عدد المتاحف والأماكن السياحية (من الأغلب يُعنى بالأخيرة الأيقونات التاريخية) في الإمارات نحو سبعة، بينما يوجد في عُمان نحو 34 متحفاً وأيقونة تاريخية، وهو ما يزيد على مجمل ما هو موجود في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة عام 2003.
كما بلغ عدد الفنادق في عُمان نحو 147 فندقاً عام 2004 مقارنة بنحو 366 فندقاً في الإمارات، وبمعدل 73.7 سرير لكل فندق في عمان مقارنة بنحو 165.5 سرير لكل فندق في الإمارات، ما يشير إلى أن الإمارات لا تتفوق في عدد الفنادق فحسب، بل تتفوق في حجم الفنادق، وبالتالي تفوق تصنيفها ضمن فئات الرفاهية، علماً أن متوسط عدد الأسرة إلى الفنادق في دول المجلس باستثناء المملكة - لعدم توافر بيانات عدد الأسرة الخاصة بها في نشرة الأمانة الإحصائية - بلغ 134.9، أي أن عُمان متراجعة عن متوسط أحجام الفنادق في دول المجلس الأخرى، بينما تتفوق الإمارات على المتوسط. أما فيما يتعلق بعدد النزلاء، فقد بلغ عدد نزلاء الفنادق في عُمان نحو 1.2 مليون نزيل عام 2004، بينما بلغ عدد نزلاء الفنادق في الإمارات نحو 5.9 مليون نزيل، أي بأكثر من خمسة أضعاف نزلاء الفنادق في عُمان.
وبناء على ما سبق، نلاحظ تفوق عُمان في المتاحف والمناطق والقلاع التاريخية التي تعطيها ميزة نسبية على الإمارات للسياح المتطلعين إلى التراث والمعمار التاريخي، إلا أن الإمارات تتفوق في كمية ونوعية البنية التحتية السياحية، خصوصاً أن حجم الاستثمار الرأسمالي في قطاع السياحة بلغ نحو 10 في المائة من مجمل الاستثمارات في الدولة، ما يمنحها ميزة تنافسية للسائح الراغب في النقاهة والتسوق والاستمتاع بأرقى الخدمات السياحية.
وختاماً، لا ريب في تفوق الإمارات سياحياً بمراحل على دول الخليج، سواء بمقياس السياحة الإقليمية أم بمقياس السياحة الخارجية كماً وكيفا، فالكم يتمثل في التزايد المطرد لعدد الزوار، نسبة إشغال الفنادق، التمكن من التوسع السياحي عمودياً من خلال خطوط الطيران ومكاتب السفريات في الدول الأخرى، وغيرها من الأساليب الذكية. أما الكيف فيتمثل في القدرة على تنفيذ الاستراتيجية السياحية والتخطيط بعيد المدى وتنويع المنتجات السياحية لتقليل تأثير الدورات الموسمية وتقليل مخاطر تراجع عوائد إحدى المنتجات السياحية على المحفظة السياحية ككل، لنجد التوجه المدروس نحو البدائل السياحية كالمؤتمرات، السياحة التجارية، تطوير السياحة الصحراوية، سياحة الأحداث السياسية والإعلامية والرياضية، وغيرها. وانطلاقاً من الكيف، يأتي الحافز الاقتصادي للإمارات للتعاون مع عُمان لتقديم منتج سياحي يتضمن عُمان كمحطة سياحية تمتلك من الخصائص ما لا يمكن توفيره للسياح في الإمارات بصورته الأصلية.
في المقابل، فإن هناك حافزا اقتصاديا لعُمان لتتعاون مع الإمارات وتحاكيها في التعامل المعلوماتي مع الشأن السياحي وطرق التخطيط المثلى من أجل تطبيق ما تراه مناسباً لخصائصها السياحية الجاذبة من تجربة الإمارات. وعند توافر الرغبة الحكومية، فالقطاع الخاص هو الأقدر على تنفيذ التكامل المنشود. فبالإمكان مثلاً فتح فروع للشركات السياحية وقيام عمليات دمج واستحواذ بين الشركات السياحية وشركات الدعم اللوجستي والتسويق السياحي في كلا البلدين، والعمل على برنامج تعاون سياحي مشترك يستهدف مختلف شرائح السياح في البنية التحتية الحديثة والتراث الغني.