جامعة الإمام لم تخرج عن رسالتها رغم تخصصاتها الجديدة
تطرقت في مقال سابق إلى توجه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نحو الجودة والاعتماد الأكاديمي، ونريد العودة إلى هذا الموضوع لأن بعضهم أبدى تحفظه وعدم قناعته بما ذكرت رغم أن نقاشنا لم يكن بيزنطينا أو رأيا شخصيا, بل مبني على بيانات تحليلية ودراسة ميدانية. وحتى نكون محايدين علينا أن نقصر تحليلنا على الفكر الإداري للجامعة وألا نتعرض لشخصيات بعينها أو رموز بذاتها، فالفكر الإداري لجامعة الإمام يتميز برؤية واضحة وأهداف محددة يقودها غرض متأصل، وهذه ليست خاصية تنفرد بها هذه المؤسسة بل هي سجية المنظمات والمنشآت التي تأصلت حضارتها الطائفية بغض النظر عن طبيعة نشاطها مثل: شركة فاني ماي للعقارات، جامعة ستنافورد، وشركة فليب موريس للتبغ.
في المقال السابق تم استخدم نموذج Kanji لقياس أداء الجامعة في مجال الجودة والاعتماد الأكاديمي، وبينت في حينه أن هذا نموذج إداري وليس استراتيجيا، بمعنى أن العوامل التي بني عليها النموذج هي عوامل نجاح داخلية تحت سيطرة الإدارة العليا, وهذا يختلف عن النموذج الاستراتيجي الذي يأخذ في الحسبان العوامل الداخلية والخارجية معا، وحسب علمي أن النماذج الاستراتيجية لم تستخدم في التطبيق, خصوصا في الدول النامية لأنها تفترض اكتمال البنية التحتية للدول ودرجة فاعلية مقبولة للجهات التي لها علاقة بجهة التقييم كالتربية والتعليم وجهات التوظيف ومعاهد التدريب والخدمات الأخرى, لأن مخرجات أي منظمة تعد مدخلات لمنظمات أخرى.
يرى البعض أن جامعة الإمام قد خرجت عن رسالتها عندما توسعت في تخصصات غير تقليدية. فقد اقتصرت الجامعة لعقود على التخصصات الشرعية واللغة العربية وما يدور في فلكها من تخصصات نظرية مشابهة إلا أنها أدخلت في السنوات الأخيرة علوما لم تعهدها من قبل كالطب، الحاسب الآلي، والعلوم الطبيعية. أما أنا فمازلت مصراً على أن الجامعة لم تخرج عن رسالتها, فهي تقدم التعليم بمواصفاتها ولا يعد استحداث تخصصات جديدة جنوحا عن الغرض الذي أنشئت من أجله. نعم كان من الأفضل للجامعة أن تركز على تخصصاتها التقليدية حتى تصبح مرجعية وبيت خبرة للعلوم الشرعية واللغة العربية, ولكن هذا لا يعني أن استثمارها في علوم أخرى يعد جنوحا عن الرسالة بل ما زالت تعمل في نطاقها. وأعتقد أن هذا التوسع قد فُرض عليها لأسباب متعددة أهمها خدمة سوق العمل. وقضية سوق العمل تمثل السبب الرئيس لبعد بعض الجامعات عن الأعراف والتقاليد الجامعية حتى أصبح بعضها أشبه بمعاهد التدريب. الجامعات منظمات ثقافية انتقائية تمثل الموروث الثقافي للأمم ولا يفترض أن تكيف مخرجاتها لسوق العمل. إن مسؤولية مؤسسات التعليم العالي في القضاء على البطالة مسؤولية جزئية لا تتعدى البحث والاستقصاء عن الأسباب وإيجاد الحلول لهذه المشكلة، أما تطويع برامجها وخططها لتلبية متطلبات سوق العمل بصورة مباشرة فيعد بعدا عن المفهوم التقليدي للجامعات وقد يسبب لها عزلة في عصر العولمة.
نعود إلى موضوع جامعة الإمام ونقول إن نتائج قياس الأداء باستخدام نموذج Kanji لم تكن جميعها إيجابية. البعض يعيب على الدراسة أنها أثبتت أن جميع نتائجها إيجابية, وهذا غير صحيح، فهناك سلبيات عديدة, وقد ذيلت الدراسة بعدد من التوصيات لتلافيها. إلا أن الفكرة الجوهرية والشيء المحفز التي توصلت إليها الدراسة هي أن الجامعة تتجه بخطى ثابتة نحو تحقيق معايير الجودة, وهذا ليس بالأمر السهل, خصوصا أن منظماتنا حديثة عهد بهذا النوع من المعايير.
وأريد في نهاية هذا المقال أن أذكر نفسي أولا وزملائي العاملين في جامعة الإمام، أن أفضل طريقة للشعور بالأمان والصعود في السلم الإداري لمثل هذه المنظمات التي تكونت حضارتها الطائفية يتمثل في التكيف مع بيئتها والإيمان بعقيدتها الإدارية وتجنب مواجهتها. ويجب أن نعي أن الخلل ليس في معارضي الفكر الإداري ولا في الفكر نفسه, فالموضوع لا يتعدى كونه عبارة عن بيئة تنظيمية تكونت بهذا الشكل حتى أصبحت تناسب بعض العاملين ولا تناسب البعض الآخر. يقول الرئيس التنفيذي لشركة نوردستورم, إحدى الشركات الأمريكية العملاقة "إن "نوردستورم" أفضل مكان للذين تناسبهم طريقة "نوردستورم" ويحبونها حقا وأنها المكان الذي يشعرك بشيء له خصوصية", وهذا الوضع ينطبق على جامعة الإمام فهي أفضل مكان للأكاديميين والموظفين والطلاب الذين تناسبهم جامعة الإمام ويحبونها حقا ويشعرون بشيء له خصوصية، أما من لم يخالجه هذا الشعور فأقترح عليه تجنب صدام لا طائل من ورائه, فالحياة الوظيفية أقصر من أن نقصرها ولن يستطيع أحد أن يطوعها أو يغير مسارها, حتى مؤسسوها، وذكرت في المقال السابق أن شركة جنرال موتور قد قذف مؤسسها ويليام ديورانت خارج الشركة لمدة عشر سنوات لأنه حاول أن يتعدى على قيمها الجوهرية ويغير مسارها. وإذا كان البعض يهوى المواجهة واختلاق الصراعات فلن يستمتع بهوايته هذه في جامعة الإمام, وما عليه سوى التوجه إلى منظمات لم تتكون حضارتها الطائفية بعد وما أكثرها في بلادنا, فهناك يمكن أن يجد ضالته، ويروي ظمأه، ويحقق مبتغاه.