هل أصبح السوق محرقة للمدخرات!!
تعتبر أسواق الأسهم واحدا من مكونات الاقتصادات الحديثة وذلك بفضل ما توفره مثل هذه الأسواق عادة من سبل لتوفير الأموال للمشاريع وبناء كيانات اقتصادية كبيرة تجعل من المدخرات الفردية وعاء استثماريا ضخما فعلاوة على توفير الأموال ونقل المدخرات للمستثمرين، تؤدي الأسواق مهام أخرى وتلعب دورا بارزا لتخدم أهدافاً متعددة منها: زيادة عامل السيولة بحكم طبيعة الأوراق المالية وإمكانية تسييلها في وقت قياسي، كما تعمل الأسواق على كونها جهة رقابية على أداء الشركات إضافة إلى مهام أخرى تنضوي تحت لواء الفعالية في الأداء للاقتصاد ككل. وهذه الأهداف لا تتحقق ما لم تكن تلك الأسواق تدار وتعمل بكفاءة لتحقيق العدالة في التسعير. وفي الاقتصاد السعودي لا ينكر تطور سوق الأسهم وتحقيقه أهدافاً مختلفة جعلته واحدا من أبرز الأسواق في المنطقة وأكبرها حجما، لكن هذا التطور جاء على حساب سلبيات وصل بأثرها إلى شرائح المجتمع كلها تقريبا سواء كان ذلك على النطاق الفردي أو المؤسساتي مما يجعل المتابع يستوقف تقييمه الفوائد التي أضافها ذلك السوق لخريطة الاقتصاد الكلي.
لقد كان الأسلوب الذي انتهجه وينتهجه إلى حد كبير سوق الأسهم سببا في إفراز عدد من الآثار السلبية للأفراد المتعاملين أو للشركات المدرجة أو حتى المستثمرة في السوق. لقد أغرى السوق بأرباحه القياسية في وقت من الأوقات الكثير (أفرادا ومؤسسات) إلى حشد مدخراتهم بل الزيادة في المديونية لحدود الجنون وتوجيه تلك الأصول المالية إلى نشاطات لا تضيف إلى الناتج المحلي بالقدر نفسه كما لو استثمرت في أصول حقيقية. وليس هذا فقط على مستوى الأفراد بل حتى الشركات التي قامت بمراجعة نشاطاتها وتوجهها إلى الاستثمار في السوق وتغيير توجه أصولها المالية من النشاط الرئيس لها.
لقد كان من أهم الآثار السلبية للسوق في الأفراد والشركات أن تحول السوق بدلا من كونه عاملا إيجابيا في زيادة كفاءة تشغيل الأموال ليكون "محرقة للمدخرات" وهذا كله بسبب الأسلوب الذي انتهج في تعاملاته وعدم تغير ذلك النهج إلا بهامشية طيلة تاريخ السوق. وهذا النهج في التعاملات جاء نتيجة لعدد من الأسباب منها ما هو طبيعي بفضل تركيبة المتعاملين في السوق ومنها ما ينسب إلى عوامل كان بالإمكان التقليل من آثارها وضبطها بطرق أكثر حصافة. ولسنا هنا في مكان لتقييم الأسباب والمسببات لكن الأمر يحتاج إلى عناية وجهد أكبر لإيقاف وعلاج نزيف الهدر المحلي إذ إن ما نراه ونعايشه من جهود لا يخلو من الارتجالية الوقتية حال وقوع انتكاسات في هذا السوق. وإيمانا من كون سوق الأسهم جزءاً حيوياً بارزاً فيما يمتلكه الاقتصاد من مقومات واعتباره واحدة من ثروات البلد، فالواجب المحافظة عليه وضبط إيقاع تعاملاته لتحقيق العدالة وبالتالي أداء دوره كما يجب له أن يكون وذلك من خلال بنية أساسية تشريعية ومؤسساتية سليمة وتطبيق دقيق لنظمه.