رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


د. الربيعة بين فصل التوائم وفصل الترهلات الإدارية.. أولويات وزير الصحة

لم أعتد على الكتابة عن أشخاص لهم في القلب نصيب. فالشهادة فيهم مجروحة وأخشى أن يتغلب الجانب العاطفي في كتابة المقال على الجانب العلمي والموضوعي. لذا لم أكتب عن الدكتور عبد الله الربيعة قبل هذه المرة بحكم أنه كان مسؤولا عن قطاع أعمل فيه. كما أن مسؤولية الكلمة ومهنية العمل الإعلامي تحتم على الكاتب تجنب الخوض في قضايا فيها تعارض للمصالح Conflict of Interest وتمنع حيادية الطرح الإعلامي. لكن الوضع الآن اختلف والدكتور عبد الله في موقع جديد ومكان آخر مما يزيل تفسير ما أقوله بطريقة خاطئة. كما أنه من المعروف أن الدكتور عبد الله لا ينظر للمدح بقدر ما ينظر إلى ما يطرح بحيادية واستقلالية وموضوعية. فالدكتور قبل أن يكون وزيرا أو مسؤولا كان إنسانا ومواطنا نزيها حريصا على دعم المشاريع التنموية والتي تعود بالنفع على المستفيد من الخدمة وهو المواطن. ولا أريد الاسترسال في الحديث عن الإنجازات التي تحققت للشؤون الصحية في وقت الدكتور عبد الله الربيعة لكني سأتطرق لبعض القضايا التي تتطلب منه نظرة جادة لها:
ـ كثيرا ما كان يردد الدكتور عبد الله الربيعة أنه جراح والإدارة تكليف وليس تشريفا لكن موقعه الجديد يفرض عليه أن يكون جراحا وإداريا في الوقت نفسه. فوزارة الصحة تعاني ترهلا إداريا طبيعيا نتيجة تغير معطيات ومتطلبات المرحلة المقبلة عما كانت عليه الوزارة في وقت سابق. فالوزارة في حاجة إلى طبيب جراح ماهر لإعادة هيكلتها وترتيب أولوياتها وإزالة ترهلاتها خصوصا أن المرحلة المقبلة تتطلب إعادة ترتيب أولوياتها. فمثلا الضمان الصحي التعاوني يجب أن يكون الأساس عند وضع أي خطط مستقبلية، فأي سياسة صحية تنوي وزارة الصحة تشريعها أو سنها يجب أن تدرس انعكاسه وفق تأثيره في تطبيق التأمين الصحي خصوصا أن التأمين الصحي ستكون النواة التي ستحدد وزارة الصحة رؤيتها المستقبلية من خلاله. فالتأمين الصحي ستكون له انعكاسات مباشرة على مستوى الخدمة المقدمة وتحديد العلاقة بين مقدم الخدمة العلاجية و طالبها ومنظمها أو مشرعها. كما أن للتأمين الصحي انعكاسا على المسار الذي ستشغل به وزارة الصحة مستشفياتها. فتطبيق التأمين الصحي سينعكس على القضايا الخلافية الأخرى التي كثيرا ما تطرح في الوسط الإعلامي كتوحيد رواتب العاملين في القطاعات الصحية وعمل أطباء الوزارة في مستشفيات العيادات الخاصة والعلاقة المستقبلية بين المستشفيات الخاصة والمستشفيات الحكومية وآلية التعامل مع الأخطاء الطبية وغيرها من قضايا السياسات الصحية المستقبلية. فإحدى إشكاليات وزارة الصحة عدم النظر إلى توجهاتها المستقبلية وفق إطار يدعم رؤيتها المستقبلية لكيفية تشغيل خدماتها الصحية سواء قررت خصخصة خدماتها كليا أو جزئيا أو عدم الخصخصة مطلقا.
ـ على الرغم من أن ميزانية وزارة الصحية في السنتين السابقتين من أعلى الميزانيات المخصصة للوزارة لكنها على الرغم من ضخامتها لا تستطيع تلبية احتياج جميع المتطلبات الصحية. لذا فالسؤال الحيوي هل ستركز وزارة الصحة على الجانب الوقائي ودعم الصرف على الخدمات الصحية الأولية والعامة؟ أم ستركز على جانب إنشاء المدن الصحية التخصصية أو ما عبر عنه وزير الصحة السابق بالحزام الصحي للخدمات التخصصية؟ بمعنى هل سيكون دور وزارة الصحة الاهتمام بالصحة العامة وتقديم الرعاية الأولية أم أن نصيب إنشاء المستشفيات التخصصية سيزيد؟
ـ لعل خبرة الدكتور عبد الله الربيعة في إدارة الشؤون الأكاديمية والتي امتدت من بداية عمله في مستشفى الملك خالد الجامعي مرورا بمستشفى الملك فيصل التخصصي وانتهاء بالشؤون الصحية في الحرس الوطني تحتم عليه تحديد الأوليات التي سينطلق منها في تحديد التخصصات الطبية التي تحتاج إليها الوزارة. فليس سرا أن وزارة الصحة تعاني نقصا شديدا في أعداد استشاري طب الأسرة والمجتمع مما يفرض على الدكتور دراسة ما تحتاج إليه وزارة الصحة من كوادر طبية من أجل استثمار الابتعاث في التخصصات التي تعد أولوية في المرحلة الحالية. فمراكز الرعاية الأولية تعاني من نقص شديد في الكوادر الطبية المؤهلة. كما أن مراكز الرعاية الأولية تعاني من فقدان الثقة في مستوى خدماتها وتأهيل أطبائها؟ فهل لدى الدكتور عبد الله آلية لكيفية استعادة الثقة في مستوى الخدمة المقدمة من خلالها؟ خصوصا أنها البوابة الأولى لطالبي الخدمات الصحية. في عام 2005 كان معدل الوفيات في مستشفيات وزارة الصحة 80 في المائة نتيجة حوادث السير، كما أنه في كل ساعتين يموت شخص ويصاب ثمانية نتيجة حوادث السير مما يعني أن الوزارة في حاجة إلى أطباء طوارئ لتغطية نقص الأطباء المؤهلين في التعامل مع حوادث السير الحرجة والمتزايدة للأسف الشديد. إضافة إلى ذلك فإن نسبة مرض السكر والضغط مرتفعة مما يؤهل المملكة لعمل الأبحاث الطبية وتأسيس مراكز لرفع مستوى الوعي وكيفية التعامل مع أمراض السكر والضغط.
ـ الوزارة في حاجة إلى تفعيل مراكز الرعاية الطويلة ومراكز الرعاية المنزلية فجزء كبير من المرضى لا تتطلب حالتهم الصحية الإقامة الدائمة في المستشفيات التخصصية لكن غياب البديل المناسب يجعل أسرة المستشفيات مشغولة بمن لا تتطلب حالتهم الصحية الإقامة الدائمة فيها. كما أن تطبيق التأمين الصحي يجعل تكلفة الإقامة في المستشفي جزءا من التكلفة التي يجب أن يتابع ويتحكم فيها خصوصا من قبل شركات التأمين.
ـ توحيد الملف الطبي هم صحي قد يكون مكلفا وباهظا على المدى القصير لكنه يساعد على تقليل الهدر المالي في استخدم الخدمات الصحية على المديين المتوسط والطويل كما يساعد على رفع مستوى الخدمة الصحية بشكل تلقائي. فالبعض لديه ملف طبي في أكثر من مستشفى ولديه تحاليل طبية في أكثر من مستشفى بينما البعض الآخر محروم من الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجها. كما أن لنظام المعلومات الصحية أهمية خاصة في نجاح أو فشل - لا سمح الله - تطبيق الضمان الصحي التعاوني. فالدكتور عبد الله الربيعة له شرف الإسهام في تأسيس أول كلية تهتم بالصحة العامة والمعلوماتية الصحية في الشرق الأوسط عبر الجامعة التي تشرف بإدارتها جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية. فالدكتور عبد الله يدرك مدى أهميته تفعيل دور تقنية المعلومات في نجاح ليس فقط تطبيق التأمين الصحي بل في رفع مستوى الخدمة الصحية المقدمة و تقليل التكلفة الصحية مستقبلا. لكن نجاح مثل هذا المشروع يعتمد على كيفية إدارته خصوصا وأن بعض الدول الغربية كبريطانيا لم تنجح كليا في توحيد الربط الصحي على الرغم من الميزانية الضخمة التي خصصت للمشروع.
ـ تعاني وزارة الصحة غياب التشريعات والأنظمة التي تحدد العمل الداخلي سواء على مستوى الوزارة أو المناطق أو المستشفيات. فالوزارة في حاجة إلى تأسيس تشريعات وإجراءات تحدد العلاقة بين أطراف المعادلة الصحية. الدكتور عبد الله رجل يحترم وضع النظام كما يحترم تطبيقه لكن غياب التشريعات والأنظمة سيصعب مهامه في الوزارة. فإعداد الأنظمة والتشريعات اللوائح قد يكون البداية الصحيحة في هذا الاتجاه.
ـ الجهاز الرقابي في وزارة الصحة يحتاج إلى تفعيل. لا شك أن الزيارات المفاجئة إحدى الأدوات المهمة في رفع المستوى الرقابي لكن تأثيرها محدود لذا فالوزير في حاجة إلى عين يرى بها مستوى الخدمة المقدمة وأذن يسمع بها الشكاوى. فالوزير في حاجة إلى جهاز رقابي صارم يكون بمثابة العين والأذن له خصوصا في المناطق البعيدة.
ختاما: أخشى ما أخشاه أن يغرق الوزير في العمل اليومي ومشكلات الوزارة على الاستفادة من خبرته وتميزه كجراح عالمي يفخر به الوطن كرائد من رواد عمليات فصل التوائم. تمنياتنا للدكتور عبد الله الربيعة التوفيق والنجاح وجعله مباركا أينما حل وارتحل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي