السياحة في الخليج : تكامل أم تنافس؟
ضمن مشاورات المادة الرابعة بين صندوق النقد الدولي والإمارات عام 2006، أشاد الصندوق بالإدارة الناجعة لعائدات النفط من قبل إمارة أبو ظبي والدفع نحو التنويع الاقتصادي من قبل إمارة دبي، وفي مشاورات الصندوق مع عمان في 31 كانون الثاني (يناير) 2007، أبدى الصندوق إعجابه بالتقدم العماني نحو تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل. ويدل تركيز الصندوق على هدف تنويع القاعدة الاقتصادية لدول مجلس التعاون على أن التنويع الاقتصادي يقع على رأس أولويات التنمية في دول المجلس. إن النقطة التي غالباً ما يتم التركيز عليها عند تقييم المسيرة الاقتصادية في السنوات الحديثة لدول الخليج هو نجاح الإمارات في تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال الاعتماد المتعاظم على السياحة في الدرجة الأولى، الاستثمار الأجنبي في قطاعات صناعية وخدمية، وتنامي دور تجارة الترانزيت، بجانب عوامل اقتصادية أخرى. وقد بدأت دول الخليج في حذو النموذج الإماراتي التنموي عموماً، وما يهمنا في هذه المقالة هو محاكاة دول الخليج للنشاط السياحي الإماراتي، لنرى مهرجان "صيف البحرين"، "هلا فبراير" الكويتي، "جدة غير" السعودي، مهرجان "مسقط السياحي"، ومهرجان قطر، وغير ذلك من النشاطات السياحية التي لم تأت بنتائج أو نجاحات مماثلة لنجاحات صيف دبي وصناعة السياحة عموماً في الإمارات. إذن، هناك وعي لدى صناع القرار الاقتصادي بأهمية السياحة كرافد أساسي للدخل الاقتصادي وكحاجة تنموية على المدى الطويل، إلا أن التعامل مع صناعة السياحة في دول الخليج يتسم بالمحاكاة غير المحسوبة حيناً وبتضييع فرص النجاح السياحي التي تتميز بها مختلف دول المجلس.
بداية، لكيلا يحدث خلط بين المفاهيم، يعرف النشاط السياحي - تبعاً لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة - أنه المشتمل على "... نشاطات الأشخاص المسافرين والمقيمين في أماكن خارج بيئتهم المعتادة لمدة لا تزيد على عام كامل من الإجازة، العمل، والأسباب الأخرى غير المتعلقة بأداء نشاط مدفوع الأجر في مكان الزيارة". ويشمل هذا التعريف السياحة الداخلية التي يقوم بها المواطنون والمقيمون داخل الدولة إن انطبقت عليهم الشروط، والسياحة الخارجية التي يقوم بها سائح ينتمي إلى دولة أخرى. وعلى الرغم من تشكيل السياحة الداخلية لنحو 80 في المائة من إجمالي النشاط السياحي عالمياً (الأمم المتحدة، 1999)، حيث تعد السياحة الداخلية من الأدوات المهمة لإعادة توزيع الدخل القومي بين المواطنين، إلا أن هذه المقالة ستركز على السياحة الخارجية لتفادي تشتت موضوع البحث.
وكدليل على حراك صناعة السياحة عالمياً، فقد بلغ عدد السياح العالميين المقبلين لوجهاتهم عام 2006 نحو 842 مليون سائح بارتفاع نسبته 2.3 في المائة عن عام 2005، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 870 مليون سائح في العام الحالي وإلى مليار سائح في عام 2010، أي بارتفاع في عدد السياح العالميين لهذا العام نسبته نحو 4 في المائة، تبعاً لبيانات منظمة السياحة العالمية. لذلك، من المتوقع استمرار زخم النمو في صناعة السياحة الخارجية عالمياً على المديين المتوسط والطويل.
من نافلة القول، إن بالإمكان تصنيف الأطراف المرتبطة بالنشاط السياحي أو صناعة السياحة إلى جهات تنظيمية تمثل الدول التي تستهدف رفع مستويات مساهمة السياحة (العرض)، السياح الخارجيين الذين يمثلون الطلب على المنتجات السياحية، القطاع الخاص الذي يسهم في الدرجة الأولى في تلبية الطلب على السياحة، والمجتمع المحلي الحاضن للسياحة والمتأثر والمؤثر الأول في نتائجها.
بتناول الطرف الأول المرتبط بصناعة السياحة وهو الجهات التنظيمية أو الحكومية المسؤولة، فإن محاولتها النهوض بصناعة السياحة ينبع من قناعة راسخة بفوائد السياحة للتنمية المستدامة سواء أكانت اقتصادية، اجتماعية، أم بيئية على المدى الطويل، وأن فوائد السياحة تفوق تكاليفها. فبالنظر إلى تجارب الدول الأخرى، نجد أن بعض الاقتصادات الناشئة، وخصوصاً في جنوب شرق آسيا قد استفادت من نمو القطاع السياحي في التقليل من بعض النتائج السلبية للعولمة وتحرير التجارة كالتفاوت في مستويات الدخل، حيث إن النمو السياحي كان في المناطق الأكثر تضرراً من تفاوت الدخل، ارتفاع العجز التجاري نظراً لاختلال التجارة الخارجية، حيث تم التعويض عنها بالحصول على عوائد من السياحة بالإمكان تشبيهها بتصدير منتج السياحة، وتنامي العجز الحكومي نتيجة للتقليل من رسوم الاستيراد والعوائد الجمركية، حيث أن الرسوم السياحية والضرائب التي يدفعها السياح على المشتريات كانت كفيلة بتغطية جزء من التراجع الذي حصل.
من ناحية أخرى، فبناء على تقديرات مجلس السياحة والسفر العالمي، خلقت صناعة السياحة نحو 207 مليون وظيفة مباشرة حول العالم في عام 2001 أو ما يقارب 8 في المائة من مجمل الوظائف المستحدثة عالمياً، بينما بلغ حجم الإنفاق الرأسمالي على القطاع السياحي نحو 630 مليار دولار، أي ما يقارب 9 في المائة من إجمالي الاستثمار الرأسمالي في العالم. وليس من المستغرب حجم الوظائف المستحدثة المباشرة، حيث إن صناعة السياحة تتميز عن غيرها من الصناعات بكثافة عنصر العمل مقارنة بعناصر الإنتاج الأخرى، ما يؤدي إلى ظهور نتائج نمو صناعة السياحة على تخفيض نسب البطالة بصورة سريعة مقارنة بالصناعات الأخرى التي تعتمد على كثافة رأس المال. إضافة إلى ذلك، فإن نمو القطاع السياحي يعتمد بشكل أكبر من القطاعات الأخرى على العمالة منخفضة المهارة وعلى العمالة النسائية، ما يؤدي إلى نتائج محمودة تتمثل برفع نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد، وتخفيض نسب الفقر بين العمالة منخفضة المهارة. وعليه، فإن للسياحة نتائج إيجابية على مستوى الاقتصاد الكلي، الاقتصاد الجزئي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن عملية تقييم التأثيرات الاقتصادية للسياحة يجب أن تشمل تقييم التأثيرات المالية، الاجتماعية، الثقافية، والبيئية، ومدى جدوى التأثيرات الناتجة في جميع تلك الحالات وارتباطها بالأهداف الاقتصادية الكلية واستراتيجية التنمية المتبعة.
وبخصوص الطرف الثاني المرتبط بصناعة السياحة، فإن السياح الخارجيين الذين يمثلون الطلب على المنتجات السياحية المختلفة يحددون وجهتهم السياحية بناء على تفضيلاتهم لهذه المنتجات ومدى توافر هذه التفضيلات في البلد المستهدف بالسياحة ضمن مستوى الجودة المطلوب ومعدل إنفاقهم المحدد. ومن المنتجات السياحية المتعارف عليها تبرز المحميات الطبيعية التي تشمل بجانب الحفاظ على مساحات معينة والدعوة إلى استهلاك الموارد بشكل يضمن استدامتها الحفاظ على التقاليد المتوارثة والتعدد المتوازن بين مختلف الكائنات المتواجدة في هذه المحميات، المنتجعات السياحية سواء الجبلية أم الساحلية، الرياضات المختلفة سواء الدولية أم الخاصة بالسياح، المؤتمرات والملتقيات، التسوق التجاري، وغير ذلك من الخصائص التي تميز منطقة سياحية عن الأخرى من منظور السائحين الخارجيين. ومن المتغيرات التي يتم احتسابها عند قياس التأثيرات الاقتصادية للسياحة حجم إنفاق السياح، حجم عرض المنتجات والخدمات الموفر من قبل وحدات الأعمال المحلية، حجم الدخل المحقق من السياحة لوحدات أعمال وسكان المنطقة السياحية، معدل خلق الوظائف في المنطقة السياحية، والعوائد الضريبية لخزانة الدولة سواء من المبيعات أم الخدمات.
ومن ضمن معايير استهداف الدول لجذب شرائح السياح يأتي في الدرجة الأولى حجم الإنفاق السياحي، فتبعاً لإحصاءات منظمة السياحة العالمية، كان أعلى إنفاق سياحي في العالم عام 2004 من نصيب السائح الألماني بمبلغ يقدر بنحو 71 مليار دولار، يليه السائح الأمريكي، البريطاني، الياباني، والفرنسي بإنفاق بلغ 65.6، 56.5، 38.2، 28.6 مليار دولار على التوالي. ومن المهم التأكيد على أن استقبال سياح يعودون إلى دول أخرى تعد من أهم أدوات الحصول على الصرف الأجنبي، فتبعاً لإحصاءات منظمة السياحة العالمية، فقد بلغت عوائد الصرف الأجنبي من السياحة العالمية عام 2000 نحو 476 مليار دولار، أي بما يفوق عوائد الصرف الأجنبي من تصدير النفط في العام نفسه تبعاً لبيانات منظمة السياحة العالمية عام 2001. ولكون تفضيلات السياح تلعب دوراً محورياً في نجاح أي سياسة للنهوض بصناعة السياحة، فعند تصميم استراتيجيات السياحة، من المهم تحديد السائح المستهدف ومحاولة جذب مستثمر أجنبي يعود للدولة نفسها ليشارك في مشاريع البنية التحتية كالمنتجعات والفنادق وغيرها، حيث إن المستثمر الأجنبي سيكون على اطلاع ومعرفة باحتياجات سياح بلاده وسيكون لآرائه في الإنشاءات واستراتيجيات التسويق أثر إيجابي يرفع من جدوى المشاريع السياحية.
وفي ختام هذه الحلقة، فإن الطرف الثالث المرتبط بصناعة السياحة هو القطاع الخاص الذي يسهم في الدرجة الأولى في تلبية الطلب على السياحة. فتواجده على هيئة منشآت متوسطة وصغيرة تقدم الخدمات والمنتجات السياحية بجميع أنواعها يأتي كحلقة ربط بين طرفي صناعة السياحة الأول والثاني. ويتضح جلياً تأثير السياحة الاقتصادي المباشر في بعض وحدات الأعمال كالفنادق، الشقق المفروشة، المطاعم، وسائل المواصلات، وسائل الترفيه، ومبيعات التجزئة. بيد أن التأثير غير المباشر للسياحة يطول جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء، ولو بدرجات مختلفة، حيث إن تجاوب القطاع الخاص لطلب السياح يؤدي إلى تعدد المعروض من السلع والخدمات كماً ونوعاً بهدف تلبية تنوع وحجم الطلب.