رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا تفشل الاستراتيجيات في بعض المنظمات؟

كثيرا ما نسمع هذه الأيام عن كلمة "استراتيجية" فلا تكاد تخلو مقالة أو حوار تلفزيوني أو تقرير صحافي من هذه الكلمة حتى أصبحت من أكثر الكلمات استخداما وأقلها فهما. عندما يتحدث بعضهم عن الاستراتيجية فإنهم يخلطون بينها وبين مصطلحات إدارية وتخطيطية أخرى ويستخدمونها بالمعنى نفسه. وكلنا يعلم أهمية الاستراتيجية إلا أننا نريد أن نعرف بالضبط ماذا يقصد بها؟ وكيف تختلف وتتشابه مع المصطلحات الأخرى؟
رغم أهمية الخطة الاستراتيجية إلا أنها لا تمثل ذروة الهرم التخطيطي ولا تعد نقطة البداية لأي منظمة. يسبق إعداد الخطة الاستراتيجية عدد من الخطط أهمها على الإطلاق ما يسمي "الغرض", الذي يطلق عليه أحيانا مصطلح "الرسالة", وهو يتمحور حول السبب الذي من أجله أنشئت المنظمة، وطالما بقي "الغرض" فستبقى المنظمة في الوجود ولو قدر لهذا "الغرض" أن يتحقق, فهذا يعنى نهايتها ولو حدث واستمرت فإنها ستغير وجهتها وستظل طريقها لأن النجم "الغرض" الذي تهتدي به قد أفل . يأتي بعد "الغرض" وضع "الأهداف" التي منها تنبع بقية الخطط وعلى أثرها يتم إعداد "الاستراتيجيات" "الغرض" و"الأهداف" و"الاستراتيجيات" جميعها خطط تعد في قمة الهرم, أي أنها مسؤولية الإدارة العليا. تليها ما تسمى "السياسات" فـ "الإجراءات" ثم "اللوائح" والإدارة الوسطى هي المعنية بإعداد هذا النوع من الخطط. يأتي من بعد ذلك ما يسمى "البرامج" ثم "الميزانيات التقديرية" أو "الميزانيات التخطيطية" ومسؤولية إعدادها تقع على عاتق الإدارة الدنيا.
و كل هذه المصطلحات بداية بـ "الغرض" وانتهاء بـ "الميزانيات التقديرية" عبارة عن خطط مترابطة ومنفصلة ومتشابهة ومتباينة والتفرقة بينها في غاية الصعوبة رغم وجود عدة اختلافات جوهرية. بعض هذه الخطط يجب أن تتحقق أو أن يعرف نهايتها كـ "الأهداف" والبعض الآخر يظل كما هو دون إنجاز أو تحقيق كما هو حال "الغرض" فإن أنجز أو تحقق فقد تحول إلى "هدف" ولم يعد يصطلح أن يمثل "رسالة" للمنظمة. أما بقية الخطط فيمكن أن تعدل وتتغير وتتحقق مثل "الإجراءات" و"البرامج" حتى "الاستراتيجيات" نفسها يمكن أن تتغير وتُعدل أجزاء منها عن طريق الخطط التكتيكية التي تعالج خللا في الاستراتيجيات, كما سنبين بعد قليل. كما أن هذه المصطلحات تتباين في اللغة المستخدمة، فعلى سبيل المثال: يجب أن تتضمن "الرسالة" عبارات لفظية خالية من أي لغة كمية، ثم تتزايد اللغة الرقمية تدريجيا في بقية الخطط، فالأهداف يمكن أن تحوي قليلا من الأرقام الكمية ثم تزيد اللغة الكمية في "الاستراتيجية" ثم أكثر في "السياسات" وهكذا حتى تصل إلى "الميزانيات التقديرية" التي يجب أن تكون جميع بنودها عبارة عن أرقام كمية خالية من أي عبارات لفظية بخلاف وصف البنود فقط.
نعود لموضوع "الاستراتيجية" ونقول إنه قد تمت استعارة هذا المصطلح من التخطيط العسكري، إلا أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين اللفظين في المجال الحربي وفي المجال الإداري. وكتب إدارة الأعمال والعلوم العسكرية تعج بأعداد هائلة من تعاريف الاستراتيجية إلا أن جميعها لا تخرج عن التعريف الذي سطره أبو الإدارة العربية الدكتور محمود عساف (1976), حيث اختزل تعارف الاستراتيجية في التالي "الاستراتيجية عبارة عن خطة طويلة الأجل، خمس سنوات فأكثر، تعنى بالترتيبات التي توضع في الحاضر لكي تحدث تغييرا رئيسا في المستقبل"، والأسلوب الاستراتيجي يتصف بالإصرار، والاستمرار، والتحدي، وما يميز الخطة الاستراتيجية أن نتائجها القريبة قد تكون على خلاف آثارها المرجوة في النهاية لدرجة أنها قد تربك من لا يعرف حقيقة الخطة ومراميها. وعندما نذكر الاستراتيجية فإن هذا يتطلب منا التطرق لـ "التكتيك" وهو عبارة "عن خطة قصيرة الأجل تستهدف غرضا قريبا لمواجهة ظرف طارئ لم يكن متوقعا" وهذا يعتمد على المفاجأة وتركيز كل الجهود نحو هدف منظور قريب لتحقيق إنجاز سريع يؤدي إلى تصحيح وضع الاستراتيجية.

إلا أن هناك سؤالا يظل قائما وهو: لماذا تفشل الاستراتيجيات في بعض المنظمات؟ يرجع هذا في رأيي إلى عدة أسباب أهمها: بعض المنشآت تقوم بإعداد خططها الاستراتيجية قبل صياغة رسالتها وقبل تحديد أهدافها. وأصبح من المألوف أن ترى خطة استراتيجية لمنشآت ليست لديها رسالة ولا أهداف وعندما يصل الوضع إلى هذا الحد فإن هذه المنظمات لا تستطيع قياس انحرافات الاستراتيجية ومدى نجاحها لأن اتجاه المنظمة الذي تحدده الرسالة غير معروف, ومعيار قياس الاستراتيجية الذي تبينه الأهداف غير واضح. سبب آخر وهو أن بعض المنظمات تعد "الرسالة" وتحدد "الأهداف" وعلى أثرها ترسم استراتيجيات في غاية الروعة إلا أنها لا تستطيع إدارتها لعدم واقعيتها. يقول خبراء التخطيط "إن إعداد الاستراتيجية وعدم المقدرة على إدارتها يجعل المنظمة أقرب إلى الفشل". منشآت أخرى ليست لديها قناعة بالاستراتيجيات ولا بالخطط بشكل عام ولكنها مضطرة إلى أن تتعامل معها من أجل إيهام الجهات الرقابية وأنظمة الجودة أنها قريبة من الأساليب الإدارية الحديثة. السبب الأخير في رأيي أن السواد الأعظم من المنظمات لا تعرف كيف تعد الاستراتيجيات ولا تعرف معناها ولا تستطيع أن تفرق بينها وبين بقية الخطط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي