رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأمن الغذائي ومزمار الحي سيطرب

من عجائب الزمان أن حل المشكلات يولد مشكلات أخرى, فمثلا معالجة مشكلة انخفاض الكثافة السكانية في بلادنا (مليونا نسمة تقريبا عام 1932)، أدت إلى ظهور جملة من المشكلات منها توفير الماء والغذاء للسكان المتزايد سنويا بشكل كبير (22 مليون نسمة عام 2000) في بيئة صحراوية ذات مناخ جغرافي قاري جاف تعاني ندرة الموارد المائية والغذائية.
وتجلت مشكلة الأمن الغذائي ذات الارتباط بمشكلة الأمن المائي في بلادنا بشكل واضح عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية عالميا بشكل كبير ومخيف عام 2008 قبل وقوع الأزمة المالية، حيث أوجسنا خيفة من عدم توافرها بشكل مستدام, فضلا عن عدم ملاءمة أسعارها لقدرات المواطنين الشرائية, خصوصا من الطبقة المتوسطة وما دونها.

وبادرت حكومتنا الرشيدة باتخاذ جملة من الحلول, حيث قررت منح بدل غلاء معيشة, دعم السلع الغذائية المهمة مثل الأرز وحليب الأطفال وكذلك الشعير والأعلاف, وتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على أكثر من 180 سلعة غذائية كحلول قصيرة الأجل, كما قررت التوجه نحو الاستثمار الزراعي في الخارج, ودعم الشركات الزراعية السعودية وتشجيعها, واستمرار دعم القطاع الزراعي وتوسيع نطاق هذا الدعم (أصدر مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على نظام صندوق التنمية الزراعية برأسمال 20 مليار ريال ليحل محل نظام البنك الزراعي), وتخزين الغذاء كحلول طويلة الأجل.
وتم إطلاق مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج التي تهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم ذات مقومات وإمكانات زراعية عالية لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية في عدد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة، إضافة إلى ضمان استدامتها.
مجلس الوزراء, وفي ظل هذه المبادرة وافق على إنشاء شركة قابضة للاستثمار الزراعي في الخارج بالشراكة بين القطاعين العام والخاص, وذكر المجلس أنه على وزارة المالية ووزارة الزراعة، ووزارة التجارة والصناعة إعداد الدراسات اللازمة المتعلقة بإنشاء شركة سعودية قابضة بين القطاعين العام والخاص للتطوير والتشغيل والاستثمار الزراعي والحيواني في الدول الأخرى. ومن ثم ترفع هذه الدراسات إلى مجلس الوزراء لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة, وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القرار, والقرار صدر نحو منتصف سنة 2008.
وصدر من صندوق الاستثمارات العامة مشروع نظام الشركة السعودية للاستثمارات الزراعية والحيوانية, الذي يعد جزءا من المبادرة, حيث حدد مشروع النظام أغراض الشركة بتحقيق الأمن الغذائي للمملكة من خلال توفير أكبر قدر من الاحتياجات الغذائية والزراعية والمنتجات الحيوانية بشكل يساعد على استقرار الأسعار داخل المملكة من خلال إبرام الاتفاقيات مع الدول المضيفة ذات الميزة النسبية لتخصيص الأراضي والحقول، سواء بالتملك أو الانتفاع أو التأجير المنتهي بالتمليك.
وسمح النظام الأساسي للشركة بتأسيس الشركات التابعة بمفردها أو المساهمة أو الاشتراك بأية طريقة في شركات أو هيئات ذات نشاط يدخل ضمن أغراضها، ولقد أجازت المادة التاسعة من النظام الأساسي للجمعية العمومية غير العادية طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام بعد موافقة مجلس الوزراء، حيث يجوز لصندوق الاستثمارات العامة بيع جزء من أسهمه في رأسمال الشركة إلى مستثمر استراتيجي أو أكثر بعد موافقة الجمعية العامة غير العادية ومجلس الوزراء, ولقد تذبذبت الأخبار عن كون الشركة مملوكة بالكامل من الحكومة أو إشراك القطاع الخاص معها وترددت أخبار عن أن رأسمالها يراوح بين المليار وثلاثة مليارات ريال.
وحيث إنه لدينا شركة وطنية عملاقة تعمل في المجال الزراعي, وهي شركة الراجحي الدولية للاستثمار, التي بادرت بالاستثمار الزراعي خارج البلاد, مستشرفة مستقبل الزراعة في بلادنا قبل الجميع باستثمارات تجاوزت ربع مليار ريال في كل من السودان, مصر, وأوكرانيا، وحققت نجاحات كبيرة تشهد لها تلك الدول, والتي تستند إلى خبرة الراجحي في تأسيس "الوطنية للدواجن" باستثمار يفوق ثلاثة مليارات ريال, وتأسيس "الوطنية الزراعية" باستثمار يصل إلى نصف مليار دولار, اللتين حققتا نجاحات كبيرة في مجالي الإنتاج الزراعي والحيواني.
أقول لماذا لا يتم التعاون مع هذه الشركة الوطنية المتميزة لتأسيس الشركة المنشودة استنادا إلى معارف وخبرات متراكمة ونجاحات ملموسة ومحققة, وكلي ثقة بأن مزمار الحي سيطرب, وكلي ثقة أيضا باللجنة الوزارية المعنية بمبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج أنها ستبادر بالاستفادة والتكامل مع جهود هذه الشركة الوطنية العملاقة المتميزة والمتفردة, أيضا اختصارا للوقت وتوفيرا للجهد والمال وتعزيزا لقدرات شركاتنا الوطنية التي تشكل أصولنا الاقتصادية العابرة للقارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي