وزيرة إلا ..
يمكن قياس التنمية التعليمية النسائية باتجاهات ثلاثة: كمية، نوعية، وجدارة.. وإذا كان عدد المدارس في جميع المراحل الدراسية للبنات قد بلغ (6766) ابتدائية (3576) متوسطة (2266) ثانوية، وبلغ عدد الخريجات العاملات نحو (240) ألف معلمة، (13.5) ألف إدارية، فيما كان إجمالي عدد طالبات التعليم العالي عام 1427هـ نحو (370) ألف طالبة، أما عدد الخريجات فكان (54) ألف خريجة.. وذاك حجم هائل من الإنجاز يحمل طيه تنوعاً في التخصص وفي مجال الممارسة العملية.. وهاهنا تبرز الجدارة؛ فمن الأكاديميات إلى المعلمات إلى الموجهات فالإداريات وكثير من هن قدرات فذة نهضن بالمهام المهنية وضربن الأمثلة على الحصافة والمهارة في القيادة لمواقع أعمالهن والمجالات اللاتي يشرفن عليها.
الأمر نفسه ينطبق على أخريات يعملن في المستشفيات أو المختبرات والمعامل سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، فالطبيبات بلغ عددهن نحو (3500) طبيبة، كما بلغ عدد الممرضات (13.3) ألف ممرضة، أما المساعدات الفنيات فنحو (5800) مساعدة.. ومثلما تألقت صروح التعليم، الصحة، الإدارة، الاقتصاد وغيرها بالسعوديات تألقت بهن كذلك صروح قطاع المال والأعمال في المصارف والشركات قياديات أو موظفات أو سيدات أعمال يشرفن على شركاتهن الخاصة.
نهضة نسوية عارمة صبغت أرجاء الوطن على مدى ستة عقود بدأت بمعهد الكريمات عام 1371هـ في الرياض و(52) مدرسة ابتدائية قبل إنشاء رئاسة تعليم البنات عام 1379هـ، وافتتاح التعليم الرسمي للبنات في العام الذي تلاه، ثم ظلت هذه النهضة تزداد عمقاً واتساعاً، حتى تسنمت فيه المرأة شراكة صناعة التقدم مع شقيقها الرجل في منافسة علىذات الكفاءة وإن كان حظهن في نوع ونسبة التوظيف أقل بكثير!!
صدور مرسوم ملكي قضى بتعيين السيدة نورة الفايز بمرتبة نائب وزير لتدير وتشرف وترعى شؤون وشجون بنات جنسها بعد رحلة نجاح مشهودة لها في العمل التربوي والإداري. هو إشارة مكثفة الدلالة لمكانة المرأة وبمثابة قاب قوسين أو أدنى من مرتبة وزيرة.. فأن تصل سيدة إلى سدة هذا المكان المعنوي الرفيع يعد تتويجا عمليا للجدارة جاء من تدافع الكم والنوعية. وهو إن كان اليوم قد حدث في حقل التعليم فالمرأة السعودية كانت قد دشنته منذ سنوات في ريادات علمية أو اعتبارية هنا وفي المحافل الدولية.. لكن تعيين السيدة الفايز يعني أن مقولة هيروقليدس: (إنك لا تسبح في مياه النهر مرتين) ما زالت سارية المفعول!!
إنني على يقين أن وطننا البدوي الريفي الحضري الصحراوي الجبلي الساحلي مكتظ بالكفاءات العلمية والإبداعية نساء ورجالاً.. وإنني لأجدها إهانة موجعة حينما أسمع حديثاً عن المرأة في بلادي يأتي مقروناً بـ (أثبتت) المرأة السعودية، وكأن المرأة السعودية من فصيلة غير بشرية، أو أنها ليست الأم التي تحت قدميها الجنة، والأخت، والابنة، والقريبة فما بالك بالزوجة شقيقة الروح .. لذا، لن أقول عن نورة الفايز وقد شرفت بتعيينها وشرفنا بها (أثبتت) لأن ذلك سيكون بمثابة هجاء لها كما هو هجاء بحق أي امرأة أو حتى رجل.. لأن كلمة (أثبت) تجعل الإنسان (امرأة أو رجلاً) في موضع الاتهام حتى (يثبت) العكس وهذا – لعمري - هراء!!
أخال نورة الفايز، اليوم، تمسك بالقلب والعقل والضمير دفة قيادة هذا المنصب، على هامتها تضع شارة قصب التوقير للعلم والمعرفة والتربية مثلما هو بالتأكيد على هامات بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا اللاتي أنجبن كثيرات كثيرات مازلن يعملن بعيدا عن الأضواء، كالدر يتخلق في الأعماق ولو علمنا بجلال أدوارهن لاشتعل الرأس زهواً.. أو هو كذلك فعلا!!
أمام نورة الفايز وزميلاتها مهام جسيمة لإدارة العمل التربوي بما يقتضي بالضرورة الانخراط جملة وتفصيلا بجد وحزم وجسارة في صلب مناهج حداثة هذا العصر وفي حرارة طرائق التأهيل البشري على أساس تطليق البالي العتيق المستنسخ المعاد المكرور ومصاهرة العلمي الموضوعي أو ما هو ابن العقل والوعي والذكاء وليس ابن التلقين والحشو الرث أو الغث الممل.. فالمطلوب وبإلحاح هو إعادة ترتيب الذهنية التربوية في ضوء رؤى زمننا وتجلياته وبما يشمخ بالوطن واحتياجاته.. فما يريده هذا الوطن، هو أجيال من الشباب والشابات الموفري العقل والإبداع والابتكار، المسلحين بذخائر الحضارة العلمية وأدواتها المنهجية بعيداً عن الدروشة والميوعة والاستهلاك وبما يلبي مواقع الخدمة والإنتاج ويجعل التعليم للعلم والعلم للوطن، والوطن للجميع.