تكلفة حجاج الخارج
كان من المفترض أن يظهر هذا المقال بعد موسم الحج مباشرة لاستكمال ما سبق طرحه والإشارة إليه في مقالين متتابعين أثناء موسم الحج تركزا حول مسؤوليتنا تجاه ضيوف الرحمن، ولكن أخذتنا وقتها أحداث العدوان الصهيوني النازي على أهلنا في غزة، وبعد توقف العدوان أجدها فرصة للعودة إلى طرح الموضوع من جديد.
هناك مسألة كثيرا ما تلفت نظري وتلح علي عند كل موسم حج، وسبق أن أشرت إليها في مقالات عدة وعلى عجل خلال السنوات الماضية، ومنها ما استجد في السنين الأخيرة وأقصد بها تكلفة أداء شعيرة الحج المتصاعدة عاما بعد عام بالنسبة لحجاج الداخل، وفي حج العام المنصرم تحديدا حين تم ربط أداء الحج بالانضمام إلى حملة وإلغاء الحج الفردي أو الشخصي، وهو تنظيم جيد هدفه الأساسي القضاء على أسوأ ظاهرة في كل حج وهي الافتراش، إلا أن لهذا التنظيم سلبية أخرى وهي رفع تكلفة الحج وهي تكلفة قد تعوق البعض عن أدائها ممن لا يملك المبلغ المطلوب من إحدى الحملات، وهي مبالغ لوحظ ارتفاعها والمغالاة فيها ولا تتوافق مع الخدمات المفترض توفيرها مقابلها، وهو ما دعاني إلى تناول الحج بمقالين متتابعين في الشهر ذاته ركزت فيهما على معاني أهمها تدعيم روح الضيافة لحجاج بيت الله المترسخة لدى هذه البلاد حكومة وشعباً، وهو ما أديناه ولله الحمد سواء من جهة الدولة التي بذلت كثيراً من أجل تسهيل وتيسير الحج من خلال هذه المشاريع العملاقة التي تنجز سنوياً، أو من ناحية الاستقبال لحجاج بيت الله بصفتهم ضيوف الرحمن، ومن ضمن ذلك تكلفة الحج.
ما جعلني أعود إلى الموضوع نفسه وفي وقت ليس وقته، هو أنه سبق أن تلقيت رسالة ببريدي الإلكتروني تعلق على ما جاء في المقالين وحملت أفكاراً ومعلومات جيدة ومفيدة تدعم ما طرحته من خلالهما، وأجدها فرصة حين العودة لهذه المسألة أن أبدأ بهذه الرسالة وما طرحته من أفكار جيدة تناقش جوانب من الحج بمسؤولية والتي يبدو أن كاتبها على دراية ومن داخل بيت الطوافة وهو فعلا كذلك. فالرسالة جاءتني من الأستاذ طارق حسني محمد حسين وهو أحد مطوفي الخارج المعروفين، ومن منطلق حسه الإسلامي وخبرته في الطوافة وتجاوبا مع طرحي في المقالين وتأكيدي فيهما على مسؤوليتنا تجاه ضيوف الرحمن طرح من خلالها عدة نقاط مهمة. أول النقاط المهمة التي طرحها الأستاذ طارق وتستحق فعلا المناقشة هي توحيد عمل ونظام مؤسسات الطوافة المختلفة بحيث لا يكون بينها اختلاف وتمايز مع أنه يفترض أن تقدم خدماتها للحجاج جميعاً بتساو وتماثل، وأنا أستغرب فعلا أن يكون حال مؤسسات الطوافة بهذا الشكل من حيث اختلاف أنظمتها. وثاني النقاط في رسالته والتي لا تقل أهمية عن الأولى بل أظنها نقطة محورية فيما يخص حجاج الخارج هي تكلفة أداء شعيرة الحج بالنسبة لمعظمهم، فمن باب معايشة الأستاذ طارق وخبرته لشؤون وشجون حجاج الخارج يؤكد أن حالات بعضهم تدل على أنهم قادمين من مستويات فقيرة، بل إن بعضهم لم يتمكن من القدوم لأداء نسك الحج إلا بعد أن يكون قد باع كل ما يملك واستدان كل ما يستطيعه، ويرى أنه مثلما طالبت بإعادة النظر في تكلفة حجاج الداخل بعد أن ارتفعت في السنتين الأخيرتين بما جعل سقف الاستطاعة دون قدرات البعض، يطالب هو الآخر ومن باب إحساسه بحجاج الخارج النظر أيضا في تكاليف حجاج الخارج ومعالجة أسباب ارتفاعها، وهو ما لفت أيضا نظر واهتمام الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا الرجل الذي يقف خلف كل الجهود المميزة لخدمة ضيوف الرحمن وإدارة موسم الحج بكل تعقيداته بنجاحات تتكرر عاما بعد عام ولله الحمد، حين طالب في مؤتمره الصحافي السنوي في الحج الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الحج بمراجعة الخدمات التي تقدمها حملات الحج والمغالاة فيها، وهذه نقطة مهمة وأساسية. وارتباطا بهذه المسألة تحديدا لا بد من الإشارة إلى ما يعرف بالمزايدات التي تجريها مؤسسة الطوافة على أرقام المكاتب التنفيذية التابعة لها على المواقع في المشاعر المقدسة بين جميع المطوفين المرشحين لتلك المكاتب، وهذه الطريقة لتوزيع المواقع على مطوفي المؤسسة فيها مغالاة ورفع لأسعار الحملات لتغطية المصروفات، وهنا لا بد من القول إن موسم الحج واستقبال ضيوف الرحمن واستضافتهم لا بد أن يبقى رمزا ومعنى مهما لما دأبت عليه هذه البلاد في رعايتها واهتمامها وبذلها من أجل تسهيل وتسيير أمور الحج على الحجاج، وترجمة حقيقية لتوجيهات ولاة الأمر - حفظهم الله - الدائمة بذلك وحرصهم على خدمة ضيوف الرحمن بكل معنى الخدمة إرضاء لوجه الله تعالى، وأن يعمل وبكل السبل على جعل الحج أقل تكلفة سواء لحجاج الداخل أو الخارج، وهو ما يتطلب بالفعل وكما أشار الأمير نايف بحس المسؤول، لإعادة دراسة تكاليف وخدمات حملات الحج، وهو ما يتماشى وسياسة الدولة ومبادئها وما تقدمه من جهود وخدمات لخدمة ضيوف الرحمن بلا مقابل وهو المشهود لها.