الجاسر: تمويل المشاريع المحلية بحاجة إلى سوق سندات متطورة
أكد الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد، الذي عين بأمر ملكي أمس الأول على أن تبدأ فترته في الثالث من ربيع الأول المقبل أي مع انتهاء فترة المحافظ الحالي حمد السياري، أن السيولة في القطاع المصرفي السعودي كافية وأن تكلفة الاقتراض معقولة الآن بفضل قرارات السياسة النقدية.
وقال الجاسر، إن السيولة متوافرة، وإن النظام المالي مستقر والعوامل الأساسية سليمة، لكنه أضاف أن المملكة تحتاج إلى أسواق سندات (صكوك) أكثر تطورا لتسهيل تمويل المشاريع. وفيما يعكس توافر السيولة لدى المصارف السعودية، تراجع سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية لأجل شهر واحد 0.83375 في المائة أمس، وذلك مقارنة بأكثر من 4.3 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وهو أمر حدث بفعل خفض مؤسسة النقد أسعار الفائدة وتخفيف قيود الإقراض.
كما توقع الجاسر تعافي اقتصاد المملكة الذي يعتمد على النفط من تداعيات الأزمة المالية العالمية بدرجة أسرع من دول أخرى. وقال في تصريحات إعلامية أمس "ستكون عودة النمو والازدهار في الاقتصاد الوطني مقارنة بالمستويات السابقة أسرع"، مضيفا أن المملكة ستواصل اعتماد سياسة نقدية توطد الاقتصاد المحلي وتحافظ على استقراره وتحميه من أي صدمات قد تنتج عن التفاعل مع الأزمة المالية العالمية.
وقال الجاسر، إن القيادة السياسية أصدرت توجيهات بعدم المبالغة في أي من السياسات التي قد ترفع المخاطر بالنسبة للاقتصاد المحلي. وأضاف أن هذا من أهم الأسباب التي جعلت المكونات الاقتصادية الوطنية أقوى من غيرها.
وحول الأزمة المالية العالمية، قال "هي جاءت نتيجة عدم اتباع الخطوات الحثيثة في إدارة القطاع المالي والاستثمار، نحن حافظنا على تلك الأسس وانتقدنا في بعض الأوقات أننا لسنا ذوي خيال كبير جدا في السياسة الاستثمارية والنقدية، ولكن الأساسيات يجب المحافظة عليها ما دامت سليمة فيجب المحافظة عليها، فبالرغم من أي انتقادات تأتي، ولذلك الحمد الله اقتصادنا وقطاعنا المالي يمر بفترة استقرار نغبط عليها، ولذلك أعتقد أنه يجب أن نستمر في هذا المسار ونحافظ عليه، طبعا السياسة المالية والنقدية ليست شيئا جامدا فنحن في كل يوم نقوم ببعض التعديلات وبعض الإشارات نرسلها للسوق المالية وللمتعاملين لكي نضمن أن يقوم هذا الاستقرار واحتياجات القطاع المصرفي والمستثمرين دائما متوافرة في أفضل الأمور".
وفي حديث للجاسر على "العربية" حول دعم المركز المالي للبنوك من خلال خفض الفائدة نحو خمس مرات منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأيضا ضخ السيولة لدى البنوك عن طريق وضع الودائع، قال "إن التغير الرئيسي هو انخفاض معدل الفائدة من أكثر من 4.5 إلى أقل من 1.15 وهذا يدل على نجاح السياسة النقدية في إيجاد هبوط في تكلفة الاقتراض في الاقتصاد السعودي، وهي حزمة متكاملة في الإجراءات التي قامت بها مؤسسة النقد العربي السعودي وأوجدت سيولة لدى البنوك، حتى أصبحت هذه البنوك تؤكد في الوقت الراهن أنها لا تريد سيولة إضافية، بل أودعت وما زالت تودع لدى المؤسسة مبالغ كبيرة جدا، ولذلك السيولة موجودة والتكلفة معقولة جدا لكل الاقتراض، ولم نر أي تأخر في توفير التمويل اللازم للمشاريع الناجحة والأعمال الاقتصادية التي يعتمد عليها الاقتصاد".
وفي سؤال حول قدرة البنوك على تمويل المشاريع وتمويل القطاع الخاص الحيوي للاقتصاد حاليا دون دعم أو تحرك إضافي من مؤسسة النقد، رد الجاسر قائلا "البنوك التجارية في تاريخ المملكة لم تكن هي مصدر الأساس للتمويل طويل الأجل، بل الصناديق الحكومية كانت هي المصدر الأساس فهناك صندوق الاستثمارات العامة، الصندوق الصناعي، البنك الزراعي، الصندوق العقاري، إضافة طبعا لرؤوس أموال المستثمرين"، وتابع: "البنوك التجارية توفر رأس المال العامل وجزءا من التمويل الرأسمالي للمشاريع، هذه هي القصة من القديم ولم يتغير شيء كثير، وبالتالي أعتقد أن هناك بعض التمليحات في السوق أن البنوك لا تقوم بتمويل مشاريع طويلة الأمد هي لم تقم بذلك بشكل كبير في الماضي ولا أتوقع بسبب نوع الودائع في البنوك أن تقوم بذلك، ولكن وسائل كثيرة عندما يأتي لبنوك مشاريع كبيرة تحتاج لتمويل طويل الأمد ولم تقم به الصناديق الحكومية، مع العلم أن صندوق الاستثمارات العامة زاد بنسبة الإقراض وزاد بالفترة المتاحة للمقترض، ولكن إذا حصل ذلك هناك وسائل أخرى مثلاً إصدار الصكوك والسندات من قبل البنوك وأيضا من قبل المستثمرين، أعتقد أن هذا مجال لم نبدأ به إلا قليلاً ويتيح إمكانات هائلة جدا لتمويل مشاريع إنتاجية ضخمة في الاقتصاد السعودية ونحن مع رجال الأعمال ومع الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة المالية ومجلس الاقتصاد الأعلى نتدارس هذه الأمور وأي احتياج فعلي سيجد التمويل اللازم".
وردا على سؤال عن تخوف بعض البنوك من إقراض بعض الجهات والشركات بسبب عدم وضوح الروية لمدى قدرة هذه الشركات مستقبلا بالوفاء بالتزاماتها بسبب تعرض الاستثمارات الخارجية أو بسبب ضيق السيولة عالميا، وبالتالي هل لدى مؤسسة النقد أي أدوات أو خطط للتعامل مع هذه البنوك لإجبارها على مد السيولة المتاحة لديها للقطاع الخاص لتمويل الاقتصاد، قال الجاسر "إن اقتصاد السوق لا يجيز إجبار البنوك أو المستثمرين على عمل هذا أو ذاك المسألة مسألة إرسال إشارات سليمة وصحيحة للسوق والمستثمرين ليقوموا بما يجب عليهم من حيث المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، البنوك هي في عمل الإقراض إذا لم تقرض لا تربح ولذلك البنوك تسعى وتبحث عن القروض السليمة التي ستعود، لأن مصادر التمويل الأساسية هي ودائع المواطنين والمقيمين ولا يجوز التهاون بذلك"، وتابع "ولكن أود أن أوكد أن البنوك تبحث عن هذه الفرص ونحن لا نعيش في منطقة معزولة عن العالم، وبالتالي الانهيارات التي حصلت في الخارج لا بد أن تجعل كل مستثمر ومصرفي أيضا يعيد حساباته بالنسبة للقروض وبالنسبة للمشاريع وهذا شيء متوقع ومقبول، ولكن لم نلاحظ أي تغير كبير في حجم الإقراض في الاقتصاد السعودي وما زال في عام 2008 الماضي الإقراض على أشده وأقرضت البنوك السعودية في العام الماضي أكثر مما أقرضته في عامي 2006 و2007 مجتمعين، وبالتالي أعتقد أن الحديث في السوق فيه بعض المبالغة وأؤكد أننا في مؤسسة النقد على اتصال مستمر مع الإخوة في الغرف التجارية وفي مجلس الاقتصادي الأعلى وفي وزارة المالية ووزارة الاقتصاد لأن الهاجس الاقتصادي هو هاجس وطني، ونحن مصرون على أن تكون الصورة واضحة لدينا وسياساتنا النقدية والمالية تكون واضحة للجميع بحيث يكون التفاعل سليما لمصلحة الاقتصاد الوطني".
وفيما يتعلق بإمكانية تفعيل سوق السندات الثانوية من أجل تخفيف الضغط على البنوك وأيضا لأسهامها بشكل فاعل لتنمية الاقتصاد، قال الجاسر "أعتقد أن هذه من الإمكانات التي لم تتطور حتى الآن في الاقتصاد السعودي، وبالتالي هناك إمكانات إقراض مشاريع كبيرة عن طريق إصدار الصكوك والسندات، أي اقتصاد متطور وديناميكي يحتاج إلى عناصر كثيرة هناك القروض المباشرة من البنوك وهناك السندات الحكومية وهناك السندات والصكوك وغيرها من الوسائل"، آملا في هذا الصدد أن تبدأ البنوك التجارية وأيضا المستثمرون، الشركات المستثمرة في إصدار هذه الصكوك والسندات لأنها وسيلة مهمة جدا للإقراض طويل المدى، "وهي أيضا ليست فقط لهم وإنما المستثمرون يريدون أن يجدوا إناء مناسبا لوضع مدخراتهم طويلة الأمد".