حقيقة أرباح الشركات السعودية
لا ينكر القول إن الاقتصاد السعودي هو اقتصاد ناشئ زاخر بالمجالات المتعددة للنمو إذا ما قدر له استمرار تحسين بنيته الأساسية، سواء كانت تلك البنية تشريعية أو تنظيمية أو محسوسة، ومن بين مكونات الاقتصاد السعودي القطاع الخاص، الذي يمثله بشكل غير منحاز ودون تجانف تلك الشركات المساهمة والمدرجة في سوق الأسهم بالذات بقطاعاته المختلفة. لقد كان لهذه الشركات وما زال دور كبير في التنمية الاقتصادية وريادة تتنامى مع الزمن، حتى جاء الاختبار الحقيقي، الذي أراه صار على دفعتين، إحدهما جاء من بوابة سوق الأسهم وتحكيم حملة الأسهم وزيادة وعي المستثمر في تساؤله عن أعمال تلك الشركات، والأخرى ما عصف بالعالم أخيرا من أزمة مالية تسببت في شل وتيرة نمو الاقتصاد العالمي. لقد كان ومازال كثير من الشركات في القطاع الخاص السعودي ينعم ببيئة اقتصادية متميزة من منظور التنافسية مما كان له الأثر الكبير في تسجيل أرقام أرباح غير مسبوقة، بل قياسية فيما هو متعارف عليه في قطاعاتها في محيط المال والأعمال دوليا. لقد شهدنا شركات تسجل أرباحاً صافية قدر رأسمالها بل أكثر حتى وصل في بعضها إلى أن تكون فترات الاسترداد (وهي القترة الزمنية اللازمة للحصول على الإيرادات الصافية من استثمار معين لتغطية تكاليف الاستثمار) إلى سنة أو سنتين، وهذا شيء خيالي جداً في بيئة الأعمال، فهل كان هذا جودة أو كفاءة في أعمالها أم خلقتها الظروف والبيئة الاقتصادية.
إنني لا أنكر جودة إدارة بعض شركاتنا المحلية لكنه يجب أن ينظر أيضاً إلى ما كان وما هو كائن للتعرف بشكل أكثر دقة على نتائج شركاتنا. فمثلا، وإن كانت مقارنة غير دقيقة علمياً لتباين الأسباب ولكن الشاهد يستحق الملاحظة، نرى أن مكررات أرباح سوق الأسهم السعودية أكبر من سوق دبي علماً بأن السوق السعودي قد انهارت قيمته السوقية بشكل كبير منذ عام 2006 فهل هذا الإصرار على تحمل قيم سوقية أكبر من الواقع ناتج عن الإيمان بأن الشركات المدرجة في السوق السعودي مازال لديها فسحة من النمو أكبر من مثيلاتها في الأسواق الأخرى، أم أنها المضاربات البحتة. في تقديري أن المضاربات فعلا هي السائدة في السوق، وهي متسبب رئيس في إعطاء بعض الشركات قيما سوقية لا تستحقها. لكن هناك جزءاً من الشركات لا أراها أنا فقط، بل عدد من الجهات الحيادية في التقييم ترى أنها في نطاقات سعرية حالياً أقل من أسعارها العادلة، وذلك من منطلق إمكانية النمو والربح، خصوصاً أن تلك الشركات لم تصل إلى حدود الكفاءة الإنتاجية الكاملة، إما بسبب تدني كفاءة أدائها وإما بسبب خططها الاستراتيجية، ولذا فهي مظنة تسجيل أرباح ونمو أكثر مما هو واقع الآن في حال إدارتها بشكل أكثر كفاءة.
من جهة أخرى، ينبغي التنبه إلى أن بعض الشركات التي تتميز بتفضيلات وميز أو دعم حكومي بطرق مختلفة من الواجب أن ينظر إليها بشكل أكثر حصافة للوقوف على حقيقة هذه الأرباح، وذلك بتقصي حقائق ربحيتها ونموها ومحاولة التعرف بالإفصاح من قبل الشركة بشكل أكثر على طبيعة تلك الميز والدعم المباشر أو غير المباشر وبالتالي نسب هذه الأرباح إلى واقع الأداء والكفاءة، وليس لمجرد أنها تحصل على دعم معين لكي ننتهي بتقييم عادل لقيمتها السوقية.