رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطفولة ووزارة الصحة

عندما تُذكر وزارة الصحة يتبادر للذهن الدور الإنساني والملائكي الذي يفترض أن تقدمه لخدمة أبناء الوطن وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، وتكبر المسؤولية عند معرفة أن ميزانية هذه الوزارة تقارب 10 في المائة من إجمالي ميزانية الدولة (52 مليار ريال). وعند مقارنة هذا الرقم الضخم بعدد السكان أو بالأصح بعدد المستفيدين من خدمات وزارة الصحة ـ مع مراعاة أن عبئاً كبيراً يقع على القطاعات الأخرى التي تقدم الخدمات الصحية لمنسوبيها غير وزارة الصحة ـ فإنه يتبادر للذهن صورة من صور ألف ليلة وليلة، حيث يُعتقد أن كل مواطن يضطر قصراً للجوء لخدمات هذه الوزارة، سيجد خدمة من نوع الخمس نجوم ورعاية فائقة تؤدي إلى حصول الشفاء - بإذن الله - قبل الحصول على الدواء، وذلك بحكم أن المعاملة الحسنة تحيي الأمل في النفوس فتكون سبباً في العلاج بعد مشيئة الله. الأمر الطبيعي في أي بلد أن الصحة هي أحد الحقوق الأساسية لكل من يعيش على تلك الأرض، وهنا في المملكة خصصت الدولة المخصصات الهائلة ودعمتها بشتى أنواع الدعم لتحقيق الرفاه للمواطنين في هذه الخدمة.
لكن للأسف الواقع يشوه أي صورة قد تتركب في الخيال ليصطدم المقيم وقبله المواطن بحقيقة البؤس الذي تعيشه خدماتنا الصحية وقطاعات الصحة خصوصاً. ولا أدل على ذلك من الأخبار والتقارير التي تتناقلها الصحف من وقت إلى آخر مع إهمال القصص التي يرويها المواطنون والمقيمون والتي لم يحالفها الحظ لتسجل وتوثق إعلامياً.
إحدى هذه القصص المؤلمة جداً هي قصة الطفل نواف ذي الأعوام الخمسة والذي قرأ معظمنا قصته المأساوية من خلال إحدى الصحف الإلكترونية يوم 22/1/2009م. طفل يتعرض لحادث ويبقى في المستشفى فاقداً الوعي، والمصيبة الأعظم ألا يُكتشف أن في يده كسراً إلا بعد مرور ما يقارب الشهر على بقائه في المستشفى، وعندما يطلب ذووه نقله إلى مستشفى أكثر تخصصاً وأوفر حظاً بالإمكانات المادية والبشرية، ومع صدور الأوامر الكريمة بنقله ومعالجته، إلا أن هذه الحالة الإنسانية ومعها الأوامر السامية تصطدم بحواجز وزارة الصحة لتتحول في أغلب الأحيان كلاما على ورق إلى أن يشاء الله. مثل هذه القصة تُسمع دائماً وأغلبنا عانى أو يعرف من عانى مثل هذه المعاملة التي تتنافى مع أبسط قواعد الرحمة فما بالك أن تكون رحمة الصحة.
هذا الواقع قد يصطدم بفكر المدافعين عن وزارة الصحة والذين غالباً ما يجدون لأنفسهم آلاف الأعذار الواهية ليتهربوا من هذه المسؤولية وليرموا بالعبء على التجهيزات وحجم الطلب وغير ذلك من الأعذار التي سئموا تكرارها قبل أن نسأم سماعها. وأقول لهؤلاء الإخوة الكرام ومن يساندهم هل جربتم الحصول على تقييم لمستوى الخدمة المقدمة أو استقراء لآراء الذين تقدمون لهم الخدمة من مواطنين ومقيمين. بالتأكيد لم يحصل ذلك ولا يوجد مثل هذا الفكر في قطاعاتنا الخاصة، ناهيك عن القطاعات العامة. فالمفهوم السائد لدى كثير من القطاعات العاملة أن ما يقدمون من خدمة أو منتج غير قابل للانتقاد وأنه الأفضل وليس من حق المتلقي التذمر أو الحنق على أي شيء.
وبالعودة لمثل حالة نواف وحالات كثير ممن لا يتسع المقام لسرد قصصهم المؤلمة، يكون من المناسب إذا لم تكن وزارة الصحة قادرة على توفير العلاج المناسب والذي يكفل أبسط الحقوق للمريض أن تتخلى عن جزء كبير من دخلها وأن تفتح المجال للعلاج في الخارج خصوصاً أن خدمات الصحة في القطاع الخاص ليست بأفضل حالاً، مع العلم أن الوزارة تسعى للتخلي عن خدماتها من خلال تطبيق نظام التأمين الطبي كبديل وهذا ما سيزيد الأمر سوءًا.
وإذا كان هذا الحل لا يجد قبولاً لدى رواد الصحة، فليسألوا أنفسهم مجموعة من الأسئلة التي قد تكشف لهم عن مستوى القصور الحاصل ومن أهمها هل تقدم الخدمات الصحية لكل المواطنين بالمستوى نفسه، أم أن المحسوبية تلعب دوراً كبيراً في توفير العلاج وتقديم الخدمة؟ ولتركز الوزارة على تطوير مستوى المستشفيات التابعة لها في كل اتجاهات الوطن بدلاً من التركيز على بعض المستشفيات التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ومع هذا التحيز إلا أنها لا تحقق النجاح المأمول، ولتستفيد من الخدمات الصحية النموذجية التي تقدمها قطاعات حكومية أخرى ولكن للأسف فهذه الخدمة أيضا غير متاحة لكل المواطنين ولكنها محصورة على فئات معينة.
إن على وزارة الصحة دوراً كبيراً لتطوير وتحسين مستوى خدماتها وإدارة الجودة فيها لتتناسب مع هذا القطاع، وعلى وزارة الصحة أن تُعنى بتحديد المسؤوليات وإجراء المساءلات للمقصرين لاكتشاف أسباب الإخفاق ومعالجتها سريعاً. هذه المتابعة الدقيقة يجب أن تتسم بالمرونة والصرامة في الوقت نفسه، المرونة في التقييم والتنفيذ والصرامة في تطبيق العقوبات حتى لا يضطر المواطن إلى اللجوء للإعلام ليتحقق له حلم العلاج. هذه المتابعة أيضا ستقود إلى أن تقدم الخدمات الصحية للجميع بعدالة، وأن يعرف الجميع بأنه مسؤول عن العمل الذي يقوم به وفي حالة التهاون في أدائه فإنه سيكون تحت طائلة العقاب.
ختاماً: لا ننكر أن وزارة الصحة فيها كثير من الإخوة والأخوات المجتهدين الذين يبذلون كثيراً من الجهد بأمانة وتفان للارتقاء بمستوى الخدمة ولكن الأمل في أن يكون كامل القطاع بهذه الروح. وأتمنى أن يتسع صدر منسوبي الصحة لمثل هذه الملاحظات وألا يكون مصيرها الإسكات قسراً أو التخلي عن المسؤوليات بحجة عدم المسؤولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي