سنغافورة تواجه أسوأ تراجع اقتصادي باحتضان مؤتمرات إسلامية .. ولم يعد هناك وقت للاستحمام وشراء الجوالات
تتطلب محاربة الأزمة المالية على الطريقة السنغافورية فتح جبهة داخلية لتقنين الإنفاق وأخرى خارجية لاستمالة أموال المستثمرين الذين تستهويهم الاستثمارات المتطابقة مع الشريعة. فأصغر دولة في جنوب شرق آسيا لم تستفد بعد من جوارها لماليزيا، فهل فات الآون؟
حتى بضعة أشهر خلت، كان "أميت سنج" يحلم بشراء سيارة، إلا أنه تراجع عن حلمه فجأة، بعد أن أصبح في رصيده في البنك 75 ألف دولار سنغافوري، حيث يصر المحامي الشاب أنه سيواصل الذهاب إلى عمله عبر قطار الأنفاق السنغافوري الذي يستقطع من وقته الثمين ساعة كاملة يوميا.
يقول سنج ابن الرابعة والثلاثين: "في هذه الأوقات الصعبة، يجدر بالمرء أن يوفر لا أن ينفق. ليس هذا هو المناخ الاقتصادي المناسب للإسراف أو للعيش ببذخ".
تطلب سنغافورة من مواطنيها، الذين يعتبرون ثالث أغنى شعب في العالم، وفقا للقوة الشرائية، أن يكونوا متبصرين لأن المحللين يتوقعون أن تواجه بلادهم أسوأ تراجع اقتصادي في تاريخ البلد الذي يمتد إلى 43 عاماً. وتنصح الحكومة الناس عبر الخطابات والإعلانات أن يغيروا "طباعهم الغذائية" عبر التوجه نحو تناول اللحوم المجمدة، لا لشيء إلا لرخصها. ولا يقتصر الأمر على اللحوم فقط، بل يمتد الأمر حتى إلى "تقليص" مدة الاستحمام والتوقف عن شراء أحدث موديلات الهاتف الجوال.
وقد رعى برنامج MoneySense للتوعية المالية إعلاناً في إحدى الصحف السنغافورية، يصور رسماً كرتونياً لرجل يتباهى بهاتفه الخلوي الجديد، ولكنه لم يتناول وجبة الغداء وعاش على الماء لأنه لم يتبق لديه نقود.
ومع هذا تتعارض استراتيجية هذه الجزيرة مع استراتيجية البلدان الأخرى كاليابان وتايوان اللتين تحاولان تشجيع الإنفاق الاستهلاكي لتحفيز النمو الاقتصادي مع تراجع الصادرات. لا يوجد لدى سنغافورة التي يبلغ عدد سكانها 4.8 مليون نسمة سوق داخلية كبيرة لتعوض تراجع مبيعاتها الخارجية، ولذلك فإن المسؤولين لن يحاولوا حتى أن يطلبوا من الناس أن ينفقوا أكثر، كما يقول فيشنو فاراثان، الخبير في فوركاست سنغافورة لمراسل خدمة بلومبرج.
ويتوقع البنك الدولي أن يكون اقتصاد سنغافورة، الذي يبلغ حجمه 161 مليار دولار، الأسوأ أداء في منطقة شرق آسيا هذا العام. وينتظر أن يتقلص الاقتصاد السنغافوري بنسبة 2 في المائة بعد أن توسع بنسبة 1.5 في المائة في السنة الماضية وبنسبة 7.7 في المائة في عام 2007.
ودأب زعماء سنغافورة على نصح مواطنيهم بالتقشف وسط المصاعب الاقتصادية. ففي عام 2001، عندما تقلص الاقتصاد بنسبة 2.2 في المائة، رفضت الحكومة أن تحدد سقفاً لأسعار الكهرباء، بل قامت بدلاً من ذلك بمنح الفقراء خصماً على استخدام الخدمات الاستهلاكية. وهدف جوه تشوك، رئيس الوزراء في حينها، إلى تشجيع الناس على "التوفير وعلى عدم المبالغة في الاستهلاك".
وبدأت أحدث حملة حكومية لمعالجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، كالأرز وزيت الطبخ، في العام الماضي عندما وصل التضخم إلى أعلى مستوى له في 26 عاماً عند معدل 7.5 في المائة، حيث حث رئيس الوزراء لي هسين لونج الناس على التحول إلى تناول اللحوم المجمدة والمنتجات المحلية في محال السوبر ماركت لأنها أرخص.
بينما قام أحد المجالس الحكومية بتوزيع بروشرات على المنازل في أكثر مناطق سنغافورة اكتظاظاً بالسكان يقترح عليهم ترشيد استهلاك الماء واستبدال اللحوم بالخضار الأرخص والأكثر فائدة للصحة.
وفي يقين متأخر "نوعا ما" حول ضرورة ضخ منظومة الاقتصاد الإسلامي بمؤسساته وتشريعاته بشرايين ذلك الاقتصاد الآسيوي، تحاول سلطة سنغافورة النقدية (البنك المركزي) تخفيف وطأة أثر هذه الأزمة عبر استمالة أموال الغربيين والعرب من خلال إصدارات الصكوك ومؤتمرات صناعة المال الإسلامية.
فقبل نحو الشهر أطلقت سنغافورة برنامج سنداتها بقيمة 134 مليون دولار، وبعد شهرين من الآن ستستضيف في الخامس إلى الثامن من أيار (مايو) قمة "مستقبل الخدمات المالية الإسلامية" التي ينظمها مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB.
وترى سلطة سنغافورة النقدية MAS أن استضافتهم لهذه القمة سيعزز من "مكانة سنغافورة الصاعدة كمركز مالي عالمي يوفر قيمة جذابة للخدمات المالية الإسلامية والتقليدية على حد سواء".
فسنغافورة، مثلها مثل الدول الآسيوية الأخرى، ترحب بتوقعات الخبراء الشرق أوسطيين أن آسيا ستقود العالم في هذه الحقبة الجديدة، وعليه فهي تحاول في هذه القمة رسم أوجه الآفاق المستقبلية للتمويل الإسلامي والمشاركة فيه بدلا من التفرج عليه.