لنشحذ أقلامنا للقضايا العادلة
كان يا مكان, في قديم الزمان, كتَّـاب تصدروا أعمدة بعض الصحف منذ زمن وإلى الآن, ونطقوا بلغة العربان, ورفعوا لواء الحمية للأوطان, وتباكوا على حقوق الطفل والنسوان, وإذا بهم يرفعون عقيرتهم ضد غزة أثناء العدوان, ويكتتبون مع إسرائيل في دماء الرجال والنساء والولدان, فهل عرفتم يا ترى من هم هؤلاء الفرسان..؟
إنهم فلان, وفلان, وفلان...! والذين نشرت مقالاتهم الصحفية في موقع وزارة خارجية كيان العدوان؛ لينضموا إلى قوائم مجرمي حرب ضد الإنسان, وذلك لتبريرهم مجازر العدوان, ولاستهدافهم بأسلحة دمار الفكر الشامل.. حصون العقل والوجدان...!!
والآن.. قولوا لي أيها القراء الكرام: ماذا يعني أن يتبنى الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية نشر مقالات صحفية لبعض الكتاب العرب؟ وتضع لمقالاتهم أيقونة خاصة؟
أما من وجهة نظري, فأعتقد أن الأمر لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون قلم الكاتب قد شطح خطأ, وتنكب الطريق الصحيح, فاقتنص الإسرائيليون الفرصة لنشر مقاله؛ وتجنيده لصالح أهدافهم...
وإما أن يكون قلمه قد شحذ لخدمة العدو الإسرائيلي, وسخر مقالاته ضد إخواننا الفلسطينيين في غزة, فكانت فضيحة مدوية لمثل هذا النوع من الأقلام السامة, ممن تستَّر وراء حرية الكلمة, واختبأَ وراء حجة الحكمة والموعظة الحسنة, وإذ بأسمائهم ومقالاتهم يشاد بها في موقع رسمي إسرائيلي, وعلى سمع العالم وبصره..!!
لقد بدا من وراء هذه الفضيحة كـتَّــاب, يخطون في صحافتنا العربية, بلسان عربي, ولكن بقلب وشعور أجنبي, لقد وقفت أقلامهم مع صواريخ الاحتلال, تبرر لهم المجازر, وتخلق لهم الذرائع, وتصنع لهم المبررات..! بل دعا أحد الكتاب العرب إسرائيل في أحد مقالاته إلى سحق المقاومين الفلسطينيين بلا رحمة ولا شفقة؛ باعتبارهم مجرمين وقتلة وإرهابيين, ويقال إن هذا المقال حين ترجم لأحد الساسة الإسرائيليين، قام عن كرسيه فرحاً وطربا، واقترح ترشيح الكاتب لأعلى وسام في إسرائيل، ووصفه بأنه أكثر صهيونية من هرتزل..!!!
آه... ما أعظمها من فضيحة..., وما أقبحها من ورطة...!
ولاغرو- أيها القراء الكرام - فقد كانت المروحيات الإسرائيلية تقذف قنابل فسفورية, وكانت بعض الأقلام العربية تروج أفكاراً سمّية, فالأولى تقتل وتشوه الإنسان, والأخرى ترسم وتنسج ذرائع العدوان, فيا لها من خيانة, مسبقة الدفع...!!
يا الله ..., ما هذه القلوب القاسية التي تصطف مع اليهود في قتل الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء..! وما هذه القلوب المتوحشة التي تتباكى على المرأة وحقوقها.., وهي تتلذذ- جنباً إلى جنب مع إسرائيل- برؤية مشاهد القتل والتنكيل والترويع..! هل خلقت قلوبهم من حجر..؟! أم نحتت من جبال..؟! هل هم آدميون, أم خلق آخر..؟!
آه..., ما أحلم الله على عباده, وما أهونهم عليه إن هم عصوا أمره, وحاربوا أولياءه, وأي عقوبة أشد من أن يتعرض العبد للخزي في الدنيا, والفضيحة على رؤوس الأشهاد...! وعلى لسان من؟
على لسان كيان العدو الإسرائيلي, ضد صديقه الكيان الليبرالي...!
إن من يسند المحتل بفكره وجنانه, أو يصطف معه بقلمه وبنانه, فتغمره الفرحة بمناظر الدم والأشلاء, ويستمتع بمشاهد الأطفال وهم يصرخون هلعاً من أصوات القنابل والصواريخ, وبمشاهد النساء الثكلى وهن يبكين أزواجهن وفلذات أكبادهن!! إن من يسنده أو يصطف معه, فهو مجرم حرب وإن ظهر بمظهر الإنسانية الوادعة.., أما عذوبة اللسان, وجمال المنطق, فإنه لا يغير من الحقائق شيئاً (وإن يقولوا تسمع لقولهم..!) فتباً لتلك الأقلام المسمومة التي عانقت المحتل, وصفقت له, وهو يغتال الطفولة البريئة, ويرقص على الجثث المتفحمة, لقد سجلت تلك الأقلام السوداء لأصحابها تاريخاً أسود في قاموس الحياة, لطخت به سمعتها, وشوهت به سيرتها, تمهيداً لرميها في صندوق القمامة, أو قذفها في سلة المحذوفات, لتبقى محفورة في سجل الهوان والخذلان, ومطمورة في تاريخ النسيان...!
إن هذا الاستغلال الإسرائيلي للأقلام العربية, لهو رسالة نذير لكل كاتب وصاحب قلم ألا يشحذ قلمه إلا للقضايا العادلة, وهو رسالة تحذير من تلويث قلمه بالاصطفاف مع العدو تحت أي ذريعة؛ لئلا يلطخ تاريخه بدوائر سوداء بريشة إسرائيلي, أو صهيوني, أو كيان غاصب...!
ولنعلنها مدوية:
لنوظف أقلامنا لصالح المستضعفين ضد المتجبرين والمستكبرين...
ولنوظف أقلامنا لصالح المنكوبين ضد المحتلين والمستعمرين...
ولنوظف أقلامنا لصالح الدول المسالمة ضد الدول المستعمرة...
ولنوظف أقلامنا لصالح الأسر الفقيرة ضد الاحتكار والاستغلال...
ولنوظف أقلامنا لصالح الرأسمالية المعتدلة (الاقتصاد الإسلامي) ضد الرأسمالية المتوحشة (الاقتصاد الغربي).
ولنوظف أقلامنا لصالح التحالفات الاستثمارية العادلة ضد التحالفات الاستثمارية الظالمة الاستعمارية (الإمبريالية), سواء عبر ما يسمى بالعولمة, أو بمنظمة التجارة العالمية, والتي ابتزت وما زالت تبتز الفقراء, وتستحوذ على خيرات الدول النامية, ودول العالم الثالث, تحت شعار "حرية السوق", وغيرها من الشعارات التي مرغتها الأزمة المالية في التراب, ولطختها بالطين.
وبكل حال, لنوظف طاقاتنا لفضح مثل هذه الأنظمة الفاشلة المستبدة, ولنشحذ أقلامنا للوقوف مع كل القضايا العادلة, وإلا فليكسر القلم...