"التأمين التكافلي" .. الحاجة إلى حلول شرعية وأدوات فنية لدعم الصناعة

"التأمين التكافلي" .. الحاجة إلى حلول شرعية وأدوات فنية لدعم الصناعة

أكد الدكتور رياض منصور الخليفي، خبير في التأمين التعاوني في دولة الكويت، أن صناعة التأمين التكافلي لا تزال تواجه جملة من التحديات الاستراتيجية التي تهدد مستقبلها ما لم يتم تطوير حلول شرعية وأدوات فنية من شأنها دعم هذه الصناعة وتأمين مسيرتها الواعدة.
ودعا الخليفي خلال مشاركته في ملتقى التأمين التعاوني الذي اختتم أعماله في الرياض أخيرا، إلى ضرورة التدخل السريع لمواجهة هذه التحديات وتحديد جوانب القصور في صناعة التأمين التكافلي، حيث تتطلب عملا جادا لاستكمال نواقصها ومعالجة ما يشوبها من عجز وما يعتريها من خلل، ومنها غياب التشريع "القانون" المنظم لهذه الصناعة، غياب معيار شرعي خاص في "الضوابط الشرعية للتغطيات التأمينية"، ضعف مهام التفتيش والرقابة الشرعية اللاحقة، إضافة إلى ضعف التأهيل الشرعي لدى منسوبي شركات التأمين التكافلي، إلى جانب غياب الهيئة العليا للتأمين التكافلي الإسلامي.
وقال الخليفي إن مشكلة صناعة التأمين التكافلي تحددها عدة أسباب والتي منها غياب المنهج العلمي والتدريبي الشامل والمتكامل لهذه الصناعة، حداثة النشأة والتطبيق بالنسبة لصناعة التكافل الإسلامي مقارنة بالتقليدي، تعدد الآليات والمدارس الفنية في تطبيق نظام التأمين التكافلي حتى على مستوى البلد الواحد، وجود فجوة كبيرة بين المعرفة الشرعية والمعرفة الفنية في التأمين التكافلي، إضافة إلى سعي الشركات التكافلية وانشغالها في أولوية المنافسة السوقية بمعزل عن التأهيل الشرعي والفني.
وحدد الخليفي عددا من الحلول التي قد تسهم في علاج هذه المشكلات منها: تضافر جهود الشركات التكافلية في سبيل إنشاء مركز أبحاث متخصص في صناعة التأمين التكافلي الإسلامي، بحيث يحدد أصول الصناعة وفنياتها من النواحي الشرعية والفنية، كما يأخذ بعين الاعتبار التفاوت في الأنظمة والمدارس الفنية المطبقة في مختلف شركات التأمين في العالم، وتصميم مشروع "المصدر المرجعي المعتمد" لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي.
وقال: "إن هذه المبادرة لا بد أن تكون تحت إشراف جهة دولية معتمدة كالهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، أو المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، أو معهد البحوث في البنك الإسلامي للتنمية"، على أن تتدخل أجهزة الرقابة الشرعية بشكل مباشر في التحقق من سلامة المعرفة لدى منسوبي الشركة التكافلية، وذلك من خلال عقد اللقاءات التثقيفية والدورات التدريبية، وأن تتحقق بصفة دورية من جِدِّية الإدارة العليا في سعيها نحو تحقيق هذا المطلب الضروري.
وحول الشركات المتخصصة في إعادة التأمين التكافلي، أشار الخليفي إلى أنه ومنذ نشأت صناعة التأمين التكافلي فقد كُتِب لها أن تواجه أحد أكبر تحدياتها العملية، التي تتمثل في عدم وجود شركات إعادة تأمين إسلامية، علما بأن وجود شركة إعادة تأمين من ضرورات صناعة التأمين بصفة عامة، مضيفا أن الفقه الإسلامي المعاصر بادر إلى مواجهة هذا التحدي الاستراتيجي بالنسبة لشركات التأمين التكافلية والمتمثل في انعدام وجود شركات إسلامية لإعادة التأمين فجاءت الفتوى لتجيز التعامل مع إعادة التأمين التجاري التقليدي وذلك تماشيا مع أحكام الضرورة، وذلك لحين وجود المعيد الإسلامي.
وأضاف أن الاقتصاد الإسلامي بعد ذلك نجح في تأسيس البديل الإسلامي لنظام إعادة التأمين، حيث توجد حاليا نحو أربع شركات متخصصة في إعادة التأمين التكافلي الإسلامي وبالتالي فإن أحكام الضرورة باتت تضيق بحسب اتساع دائرة الحلال وتراجع دائرة الحرام.
وأفاد أن شركات إعادة التأمين التكافلي الإسلامي تواجه حاليا عدة تحديات ومشكلات منها عزوف الكثير من الشركات التكافلية المباشرة وامتناعها عن ترتيب اتفاقيات الإعادة معها، وإنما تُبقي تلك الشركات التكافلية المباشرة على اتفاقياتها مع شركات الإعادة التجارية التقليدية العالمية.
وأبان أن الشركات التكافلية المباشرة تبرر موقفها هذا على النحو التالي هذا بالآتي: إن شركات الإعادة التكافلية لا تزال في مهدها وتحت التجربة، ومخاطرها الفنية عالية جدا نتيجة حداثة النشأة ونقص الخبرة، كما تعتبر ملاءة شركات الإعادة التكافلية متدنية جدا وفي حدود عشرات الملايين فقط، وبالتالي فإنها حتما لن تكون قادرة على استيعاب حجم الأخطار المحالة إليها من قبل شركات التأمين التكافلية المباشرة، وهنا ليس من الحكمة المجازفة بإعادة تأمين أخطارنا لديها، ونترك الإعادة لدى معيدين تجاريين ذوي ملاءات عالية جدا تصل إلى عشرات بل مئات المليارات.
ولفت الخليفي إلى أن الشركات التكافلية المباشرة ترى أن شركات الإعادة التكافلية، يقومون بدور الوسيط بينهم وبين كبرى شركات الإعادة التقليدية في العالم، وعلى ذلك فهم يختصرون ويلجأون إلى تلك الشركات الكبرى بهدف الحصول على مزايا أعلى وخدمة أسرع وأفضل، وبتكلفة إعادة أقل، فضلا عن مخاطر أقل إذا ما نسبنا أخطارنا القليلة نسبيا إلى جانب ملاءاتها المالية الكبيرة جدا.
وبين الخليفي أن هذه المبررات على الرغم من وجاهتها في الظاهر إلا أنها لا تُسَلَّم على إطلاقها، وذلك الادعاء بأن شركات الإعادة التكافلية تقوم بدور الوسيط بين الشركة المباشرة والمعيد التجاري التقليدي العالمي غير صحيح، وإنما تقدم خدماتها في الإعادة التكافلية بصورة كلية وبصفتها معيدا رئيسيا، مع الإقرار بأنها في حالات معينة وخاصة يمكن للمعيد التكافلي أن يعيد الأسقف العليا من الأخطار العالية جدا وبصورة استثنائية لدى المعيد التقليدي.
وتابع قائلا: "إن المعيد التكافلي قام من أجل سد ثغرة استراتيجية في صناعة التكافل الإسلامي، فإذا لم يجد الدعم والتأييد والتشغيل من قبل الشركات التكافلية المباشرة، فهل يتوقع ذلك من شركات التأمين التجاري التقليدي"؟
وأشار خبير التأمين التعاوني في الكويتي إلى أن الواجب الشرعي يوجب على الشركات التكافلية المباشرة أن تُقَنِّن وتُحدِّث تطبيقها بصفة دورية، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجيا مع مرور الوقت باتجاه قطع التعامل مع التقليديين في الكلية، ولو استغرق ذلك عقودا من الزمان.

الأكثر قراءة