في إدراك ما يحصل من تجاوزات في ظل حرمان المرأة من فرصة العمل (2 من 3)
تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن الفرق بين ما يحدث في ظل الوضع القائم جراء اضطرار المرأة للاحتكاك بالرجل، حين يعرض ويبيع لها ملابسها الداخلية، ومستلزماتها الخاصة، وبين الوضع الآخر، عندما يكون البائع امرأة مثلها، في محل لا يدخله غيرها، وذلك ضمن رؤية أحسب أنها تسهم في صون المرأة، وحفظ كرامتها، واليوم أستكمل ما بدأته موجها حديثي إلى الإخوة الأفاضل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين أثق ببُعد نظرهم، وحرصهم على تحقيق ما يصلح المجتمع ويحميه، ويقود إلى الفضيلة.
التأنيث فيه مصالح متعددة
علاوة على ما ذكرته من فوائد التأنيث، فإن هناك مصالح أخرى اجتماعية ستتحقق، وأولها أنه سيسهم في الحد من مشكلة البطالة التي يعانيها المجتمع، التي تقول الإحصاءات إنها تقرب من نصف مليون مواطن، بين رجل وامرأة، وهي بين النساء أكثر، لتفوق عدد الخريجات من التعليم العام والتعليم الجامعي على عدد الذكور، ولمحدودية المجالات المتاحة لعمل المرأة، فمئات الآلاف من بناتنا يقبعن في البيوت، بعد التخرج سنين طويلة، دون عمل، تأكلهن الحسرة وهنّ يرين غيرهن من أقل شعوب العالم تأهيلا يتمتعن بفرص العمل، المحرومات منها في بلدهن، ومنهن من اضطررن إلى العمل برواتب لا تزيد على معدل رواتب الخدم والسائقين، كمعلمات في المدارس الأهلية، يدفعن أكثر من نصف الراتب لسائق الليموزين، أما من لم تجد فرصة العمل، وليس لديها دخل، أو ولي أمر قادر على الإنفاق عليها وتوفير لوازمها، فإنها تواجه مغريات كثيرة تدفعها إلى مزالق الفساد، تحت تأثير الحاجة الشديدة!.. وآمل ألا تأخذنا المكابرة بعيدا عن التأمل في هذه المشكلة التي تتزايد مع زيادة البطالة، والفقر، وارتفاع الأسعار، وزيادة المغريات التي تحاصر المرأة وتغري بالفساد، مثل ما يجري من خلال الهواتف الجوالة، والإنترنت، وما يعرض في القنوات التلفزيونية!
إن التغيير سيتيح فرصة العمل لما يقرب من 50 ألف امرأة أو أكثر، على نطاق المملكة، ويحقق لهن ما ينأى بهن عن التفكير في الاستجابة لما يواجهن من مغريات، وهناك مصلحة أخرى ستتحقق جراء الاستغناء عن العدد نفسه من الأجنبيات عند استبدالهن بمواطنات، وهذا بدوره سيسهم في تخفيف عدد الأجانب المخيف في بلدنا!
ومن الفوائد أنه ستتوافر للمرأة في المحال التي تعمل فيها نساء أماكن لقياس الملابس، وتريحها من عناء الذهاب إلى البيت لتجريب الملابس، ثم العودة إلى المحل لإرجاعها إن لم تكن مطابقة، ويخلص المجتمع من إحدى الخصوصيات التي ينفرد بها عن المجتمعات الأخرى، المتمثلة في عدم توافر أماكن للنساء لقياس ما يشترينه من ملابس، وغير بعيد عنا الحادثة التي حصلت في مدينة جدة، قبل فترة وجيزة، عندما تجرأ أحد البائعين على أخذ مقاس إحدى النساء لتفصيل عباءة لها، فألقي القبض عليه وصدر بحقه حكم بالسجن، وقد لا تكون تلك هي الحالة الوحيدة التي وقعت أو تقع بعيدا عن نظر رجال الهيئة؟!، لأن هناك أمورا كثيرة لا بد فيها في ظل الوضع الحالي، من ملامسة الرجل المرأة، داخل تلك المحال، عند تجريب بعض المستلزمات الخاصة، أو أخذ المقاس لتفصيلها أو تعديلها، كالساعات، والمجوهرات، والنظارات، والأحذية، وألا تضطر المرأة للكشف عن نصف ساقها لتجريب الحذاء، أو تكشف عن وجهها لتجريب النظارة، أو تمد يدها للبائع لأخذ مقاس الخاتم لتصغيره، أو الأساور أو غيرها؟! إذا كان هذا حاصلا، وهو كذلك، فلماذا لا نجنب المرأة مواجهته، وما قد يترتب على هذه المواجهة؟!
وجود الهيئة ضروري
إن و جود الهيئة ضروري كحام للأخلاق والفضيلة، ومصدر اطمئنان للمجتمع، تسهم إسهاما فاعلا في تتبع المخالفات، ومنعها أو كشف ما يقع منها، ويكفينا كشاهد ما تتناقلته الصحف يوميا مما تكشفه الهيئة من أوكار الرذيلة، وظاهرة تشجيع الخادمات على الهروب من المنازل، واستغلالهن في أعمال منافية للدين والأخلاق، في بلد يقود العالم الإسلامي تطبيقا لمبادئ الإسلام، وكذلك ما تكتشفه من معامل تصنيع الخمور وترويجها، كما يكفي اعترافا بدور الهيئة، أن الفتيات اللاتي يقعن في حبائل التحرش والابتزاز، لا يجدن غير الهيئة يلجأن إليها لإنقاذهن، ولعل البرنامج المعنون "99" الذي يعرض في القناة الرياضية السعودية، وما عرض في حلقة يوم الإثنين الموافق 7/2/1430هـ، من مقابلات حية، واتصالات هاتفية على الهواء، أجريت مع فتيات وفتيان وقعوا في مصائد ومصائب الابتزاز ضمن حالات غريبة يندى لها الجبين، تبدأ بمكالمة، أو عبث من خلال الإنترنت، وتنتهي بالسجن والفضيحة، لعل ذلك من أبرز الأدلة على أهمية دور الهيئة وما تقوم به لحماية الأخلاق.
أقول ذلك من باب الاعتراف، وتسجيل الفضل لأهله، منوها بأن دور الهيئة سيتعاظم مع تقدم الوقت، وتعقد الحياة، وتفكك الروابط الأسرية، وضعف الإيمان، وسيطرة الماديات، وتضاؤل دور التربية وتحصين الأخلاق داخل الأسرة أو في المدرسة، هذا كله يتطلب من الهيئة ذاتها السعي إلى تكامل دورها مع دور الجهات الحكومية، وأرباب الأسر والمجتمع والتركيز على إزالة ما يعتري علاقتها بالناس من توتر، وجفوة، قد يكون سببها الاختلاف على الوسيلة وليس الغاية، أو حصول تجاوزات محدودة من بعض منسوبيها تذهب بالشيء الكثير من الجهود، ولا يتبقى إلا ما تتركه من إحساس، في أذهان الناس، بالامتعاض والتسلط، وأن يكون أداء أعمال الهيئة مبنيا على الرفق واللين والمعروف، وصون الكرامات، وأن يكونوا رسل محبة وتراحم في قلوب الناس، امتثالا لقوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) وقوله تعالى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) وقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلتهم بالتي هي أحسن، فإذا الذين بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
ويحضرني، بالمناسبة، قصة يتناقلها الناس في بعض مناطق نجد، تقول إنه كان هناك فلاح يعمل في حقله، وتصادف أنه كان على رأس نخلة يعمل ويغني الأهازيج المعروفة عند الفلاحين، عندما كان المؤذن يؤذن للصلاة، فمر أمام المسجد وسمعه فأغضبه ذلك، ونهره بقوله (صل يا ...) فرد الفلاح (.......)، فلم يستطع الإمام عمل شيء لأنه هو البادئ..، وتصادف أن مر به بعد أيام وهو في الوضع نفسه، فقال له: (صل الله يهديك) فأجاب الفلاح (إن شاء الله).. ولا تحتاج القصة إلى تعليق..!
سأتحدث في المقال القادم عن الملاحظات التي يحملها المجتمع عن رجال الهيئة، هدانا الله جميعا إلى طريق الصواب.