رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قبل بوش وبعده

(ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار)
انتهى بذهاب جورج بوش عصر تسبب في خراب مدمِّر في أفغانستان والعراق وفلسطين ومئات الألوف من القتلى والجرحى، دون أي مبرر إلا الحقد الدفين الذي يحمله هذا الرجل للأمة الإسلامية. وجاء بعده رجل أسود ولكنه أبيض السريرة، ولا تشعر وأنت تتصفح ملامحه وتستمع إلى أحاديثه وخطبه أنه يحمل كرهاً ضد أي إنسان. فهل يستطيع الرئيس الجديد باراك حسين أوباما أن يصلح ما أفسده سلفه؟ نرجو ذلك، ولكنها ستكون مهمة في غاية الصعوبة. إننا متفائلون أن يكون في إمكان أوباما التغلب على عصابات المتطرفين من المتصهينين والعنصريين وذوي المصالح الخاصة في المؤسسات الأمريكية المختلفة، وعلى اللوبي الصهيوني المسيطر على وسائل الإعلام في أمريكا، وإلا فإنه سيفقد مصداقيته ويلحق بمن سبقه من الرؤساء المخيبين للآمال أمثال سلفه. ونحن نأمل أن يعيد لأمريكا حيادها تجاه السياسة الخارجية والعلاقات الدولية كما فعل الرئيس الأمريكي أيزنهاور في منتصف الخمسينيات الميلادية مع أقطاب العدوان الثلاثي على مصر عندما أوقفهم عند حدهم وأجبرهم على الانسحاب من أرض الكنانة، على أساس أنهم كانوا هم البادئين بالهجوم على الأراضي المصرية.
وتعاقب على الرئاسة الأمريكية بعد أيزنهاور تسعة رؤساء، غالبيتهم كانوا مجحفين في التحيز ضد المصالح العربية، وعلى وجه الخصوص، القضية الفلسطينية. وكانت مواقف وسياسة الرئيس جورج بوش هي الأسوأ على الإطلاق. فقد تبنى طوال مدة حكمه الوقوف مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة. وما سكوته عن الجرائم والمنكرات التي ارتكبتها الدولة اليهودية أخيرا بحق سكان مدينة غزة خلال آخر شهر من ولاية حكمه المشؤوم إلا دليل على ما يكنه لأمتنا من كره أعمى بصيرته. وكانت إسرائيل ترتكب المجازر الفظيعة بحق المدنيين العُزَّل من النساء والأطفال أمام أنظار العالم وبكل تحد وشراسة وبغطرسة منقطعة النظير، مستخدمة أسلحة وذخائر أمريكية الصنع والمنشأ ومحرمة دولياًّ. وبدلاً من أن ينبِّه جورج بوش، وهو ذاهب إلى غير رجعة، دولة العدوان، وهو حليفها وشريكها في كل ما كانت ترتكب من الظلم والاعتداءات، إلى خطورة ما كانت تقوم به من أفعال غير إنسانية، اختار السكوت السلبي إلا من تصريحات كانت تدفع العدو الصهيوني إلى التمادي في عدوانيته، حيث كان يردد مقولته الممقوتة، أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، حتى ولو كانت تهدم البيوت على الأبرياء من الأطفال والنساء.
وكنت قبل يومين أشاهد على التلفاز مقابلة مع طبيب نرويجي كان قد شارك في علاج المصابين في مستشفيات غزة أثناء القصف الإسرائيلي عليها، فكان يصف نتائج القصف الصهيوني الوحشي على المدنيين وفظاعة المناظر اللاإنسانية المروعة، حتى بكى من التأثر وانقطع صوته لبضع ثوان. وبعد دقائق من انتهاء البرنامج، ظهر إيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي على المحطة نفسها وتفوه بكلمات أفقدتني صوابي. فقد قال أمام المشاهدين وهو الكاذب: إن أفراد الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم، وهم في الواقع الأكثر وحشية. والعالم شاهد على أن قادة إسرائيل وجنودهم تجردوا من إنسانيتهم، إذا جاز لنا أن نعدهم من بني الإنسان، ومارسوا أبشع أنواع الإبادة الجماعية ضد شعب أعزل. ولا ندري على أيِّ مقياس كان إيهود باراك يصف جنوده أنهم الأكثر أخلاقية وهم الذين منذ عدة أيام كانوا قد صوبوا بنادقهم إلى فتاة لم تبلغ سن العاشرة من عمرها، قادها حظها إلى أن تقف قريباً منهم، فأردوها قتيلة. وإذا كانت هذه هي أخلاقياتهم ومعاييرهم التي يفخرون بها، فتباًّ لهم ولأخلاقهم. ولم نستغرب، عندما حوكم ذلك الجندي المتغطرس على إجرامه بحق الطفلة البريئة ثم أُطلق سراحه في الحال، لأنه كان يمارس قمة الأخلاق في نظر باراك!!
وإذا لم تصل يد العدالة إلى أولمرت وباراك وليفني وجورج بوش وديك شيني وأعوانهم وهم أحياء، فسيذهبون حتماً إلى مزبلة التاريخ. ولكننا ندعو الله أن يهيئ أمور محاكمتهم على ما اقترفوه من تدمير لكل ما هو قائم في مدينة غزة وقتل للآباء والأمهات بدم بارد أمام أعين أطفالهم، حسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن عظيم السخرية أن قادة إسرائيل كانوا يتشدقون خلال هجومهم الغاشم على المدنيين في قطاع غزة، قبل وبعد توقف العدوان، أنهم لا يكرهون أهل غزة ولا يضمرون لهم أي عداوة، هكذا وبكل برود ووقاحة. وفي موقف آخر، يصرِّح المجرم الكبير ورئيس العصابات الصهيونية أولمرت أنه "بكى" عندما سمع عن طريق المذياع أحد الفلسطينيين يبكي ويستغيث طالباً النجدة وهو جريح ومحاصر في بيته بعد أن قُتِل ثلاثة من أبنائه! هذه الإنسانية الزائفة لا تنطلي على المجتمع الدولي الذي كان يشاهد بأم عينيه المشاهد المرعبة لأشلاء النساء والأطفال التي كانت تمزقها صواريخهم الموجهة وقنابلهم الفسفورية المحرَّم استخدامها دوليا ضد التجمعات السكانية.
أما أنت يا بوش، فقد أذاقك الله طعم المهانة على يد ذلك العراقي الشجاع، وكان أفضل وداع لإنسان تسبب في تدمير بلدانٍ بأكملها، وقتل وتشرُد الملايين خلال عهد حكمك المشؤوم. وابتسامتك الباهتة التي ظهرت كرد فعل على ذلك الحدث الذي لم تكن تتوقعه لن تعني لنا شيئاً، فأنت ومستشاروك تعرفان المغزى من وراء قذف الحذاء بالطريقة التي شاهدها الملايين من البشر. ولم يكن تدخلك في العراق إلا خدمة للصهيونية العالمية وبناء على تقارير استخباراتية، اعترفت أنت بزيفها. ولا شك أن تدني شعبيتك بين مواطنيك خلال فترة ولايتك الثانية إلى مستوى لم يصله رئيس قبلك، لدليل على استحقاقك ذلك ومكافأة لك على إنجازاتك المخيبة للآمال. وتذكََّّر يا جورج الصغير أن يد العدالة طويلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي