البنوك الإسلامية لن تشتري حصصا في صناديق استثمارية غربية تتعامل مع "توريق الديون"

البنوك الإسلامية لن تشتري حصصا في صناديق استثمارية غربية تتعامل مع "توريق الديون"

شدّد عز الدين خوجة أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على عدم إمكانية دخول البنوك الإسلامية في صناديق غربية للتعامل مع "توريق الديون", معللا ذلك بحرمته شرعا، لافتا إلى أن أبرز ما أدى إلى انهيار عدد من المؤسسات المالية التقليدية الغربية, هو الإفراط في الإقراض بفائدة وتحويل الديون التي نشأت فيما بعد إلى سندات تمهيدا لبيعها من جديد.
ولم يستبعد في حديثه لـ "الاقتصادية" أن يعلن بعض البنوك الإسلامية انخفاضا في أرباحها أو مواجهة بعض الصعوبات بسبب تأثرها غير المباشر بالأزمة والركود الاقتصادي, بيد أنه لفت إلى أن تأثر تلك البنوك لن يصل إلى مستوى "الهزات" أو الانهيارات والإفلاس كما حدث بالنسبة إلى المؤسسات المالية الغربية.
وتوقع خوجة أن تنمو أصول المصارف الإسلامية الخليجية 35 إلى 40 في المائة في السنة الحالية على الرغم من اشتداد حدة الأزمة المالية على بعض أصول هذه المصارف العقارية. وترتكز حجة خوجة على التحولات المرتقبة لأصول المصارف التقليدية إلى إسلامية خلال الفترة المقبلة.
وينتظر ـ والحديث لخوجة ـ أن تتحول كل المصارف التقليدية في الخليج بالكامل إلى العمل المصرفي الإسلامي " قبل الموعد الذي قدره البنك الإسلامي للتنمية عام 2015 وبنسبة 80 في المائة من تلك البنوك "نتيجة للمساهمة الإيجابية للصناعة المالية الإسلامية في استقرار النظام المصرفي والمالي".
وأكد خوجة عدم إمكانية دخول البنوك الإسلامية في صناديق تتعاطى مع الديون التي تطرحها الدول الغربية وهي " توريق الديون", معللا ذلك بحرمته شرعا, "والبديل الذي تعتمده البنوك الإسلامية هو التعامل مع الديون العينية وليس النقدية, ولذلك لا يتوقع هنا من أي مؤسسة مالية إسلامية أن تدخل في أي من السندات المحرمة".
بيد أنه نوّه بأن العبرة ليست في التسمية سواء كانت سندات أو صكوكا وإنما بالمكونات " فإذا كانت نقودا لا يجوز التعامل بها شرعا "، أما إذا كانت أصولا حقيقية أو خليطا مع أصول نقدية فيجوز التعاطي معها آنذاك استنادا للمعايير الشرعية التي وضعتها المجامع الفقهية والهيئات الشرعية في هذا المجال.
وأوضح: إن الحديث عن عدم تأثر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بشكل مباشر لا يعني أنها لم تتأثر " حتى في دول الخليج " فقد تكون قد تضررت بشكل غير مباشر نتيجة للركود الاقتصادي, لافتا إلى انها قد تواجه بعض المصاعب المالية وهي على اهبة الاستعداد لوضع الحلول المناسبة, " وهذا أمر طبيعي الحدوث سواء في البنوك الإسلامية في الدول الغربية أو خارج تلك البلدان طالما أنه لم يكن بسبب مخالفات شرعية في الممارسات والتطبيقات والمعاملات".
ولم يستبعد أن تعلن بعض البنوك الإسلامية انخفاضا في أرباحها أو مواجهة بعض الصعوبات, حيث إن الأزمة "عالمية " ولامست كل القطاعات الاقتصادية، غير أنه لفت إلى أن تأثر تلك البنوك لن يصل لمستوى " الهزات " أو الانهيارات والإفلاس كما حدث بالنسبة للمؤسسات المالية الغربية.
وقال خوجة، لقد اتضح الآن وبشكل جلي أن السبب الرئيس وراء عدم تأثر البنوك الإسلامية بشكل غير مباشر بتداعيات الأزمة المالية العالمية وبالتالي دعوة الكثير من الخبراء ورجال الاقتصاد والفكر لدراسة النموذج المصرفي الإسلامي، هو حرمة " المعاملات التي خلقت تلك الأزمة ".
ولفت إلى أن مرد الأزمة يعود إلى مبادئ وقيم يستند إليها العالم الغربي أثبتت فشلها وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار الاقتصادي, فبدأت " العورات والمساوئ " تنكشف شيئا فشيئا بعد أن كان يُحتذى بها، معتبرا أن أبرز سلبيات الأسس التي أدت لانهيار عدد من المؤسسات المالية التقليدية الغربية, هي " الإفراط في الإقراض بفائدة وتحويل الديون التي نشأت فيما بعد إلى سندات تمهيدا لبيعها من جديد, وكذلك المشتقات القائمة على المجازفات والمقامرة".
ورأى أن بعض أسباب الأزمة يعود إلى أن آلية النظام المصرفي التقليدي تشجع على التجارة في النقود, مضيفا: "وكذلك تحقيق إدارات المصارف والمساهمين أرباحا خيالية نتيجة للعمليات الوهمية وليس مردها الاقتصاد الحقيقي".
وتابع: هذه الأسباب محرمة في التشريع الإسلامي, وتلك الأزمة تبين لنا كيفية بناء نظام اقتصادي قائم على أسس ومبادئ نابعة من مصالح شخصية ورؤى ضيقة لا يمكن أن تستمر, متوقعا أن يأتي يوم تنهار فيه هذه الأسس, فهي مخالفة للمبادئ المستمدة من الدين الإسلامي وإنسانيته لحماية الأفراد وعدم طغيانهم للإسهام بشكل كبير في تحقيق استقرار المعاملات والتوازن المطلوب في المجتمع.
وأبدى تفاؤله بمزيد من الانتشار للبنوك الإسلامية بعد الأزمة، "ذلك أن تفاؤلنا السابق ـ قبل الأزمة - كان مبنيا على استنتاجات تشير إلى نمو الصناعة المالية الإسلامية ورغبة كثير من المؤسسات المالية في تقديم خدمات مصرفية إسلامية.
وقال خوجة: إن الصناعة المصرفية الإسلامية تنتشر وتنمو اليوم مستندة إلى عجلة الطلب المتنامي في السوق على المنتجات الإسلامية ولقناعات الفكرة الجديدة لدى الاقتصاديين والخبراء ورجال الأعمال الذين أصبحوا يستلهمون المعالم المصرفية الإسلامية ويرون فيها مخرجا أساسيا لتجاوز الأزمات.
وحول حجم النمو في الصناعة المالية الإسلامية الخليجية، أوضح أن المؤشرات تفيد باستمرار الوتيرة السابقة نفسها للنمو, حيث يتوقع أن تكون أصول المصارف الإسلامية قد بلغت 245 مليار دولار في العام الماضي, مسجلة زيادة تبلغ نحو 40 في المائة على عام 2007, متوقعا أن تستمر وتيرة النمو في السوق بالمستوى نفسه, أي بين 35 و40 في المائة في العام الجاري، "ولن تنخفض بسبب الأزمة المالية, بل إن التحولات المتوقعة للمؤسسات المالية والمصرفية التقليدية لتقديم خدمات إسلامية ما زالت مستمرة, وهي البديل في ظل الأوضاع الحالية".
وكشف أن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ينسق مع المعهد الإسلامي للبحوث والتطوير التابع للبنك الإسلامي للتنمية لإعداد وثيقة "مبادئ الوسطية الاقتصادية لنظام مصرفي ومالي متوازن وعادل"، مشيرا إلى أن هذه الوثيقة ستحدد المبادئ الإنسانية التي يمكن أن تشجع الخبراء ورجال الاقتصاد وتساعد المصارف الإسلامية والتقليدية على التعاطي السليم والمستقر بعد التجربة الأليمة التي شهدها العالم في أزمته المالية الأخيرة.
ويجري الآن إعداد المسودة الأولى لهذه الوثيقة عبر لجنة علمية, وسيتم تنظيم ورشة عمل لاعتمادها يدعى لها خبراء غربيون ومسلمون بإدارة الشيخ صالح كامل.
وذكر خوجة أن مبادئ الوثيقة مستمدة من أفكار رجل الصيرفة الإسلامية المعروف الشيخ صالح كامل, الذي سعى مبكرا إلى وضع هذه الوثيقة إبان فترة انهيار الاتحاد السوفياتي وقدمها للساسة وصناع القرار في هذا الاتحاد قبل أن يتفكك, منوها بأن الورشة ستعمل في بعض جوانبها على استحضار انهيار الاتحاد السوفياتي والأزمة المالية الأخيرة ومبادئ الوثيقة التي يطرحها الشيخ صالح كامل.
وآمل أن تصل الوثيقة إلى مسامع أصحاب القرار والخبراء الغربيين لتدارك النظام الرأسمالي من رأسماليته المتوحشة والمتفردة والمتسلطة وأحادية الجانب إلى نظام مالي عالمي متوازن يغلب على قوامه الطابع الإنساني والمصلحة المشتركة بعيدا عن الأنانية.

الأكثر قراءة